رسائل الانتخابات الأردنية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- شكلت نتائج الانتخابات البرلمانية الاردنية وسوف تشكل مادة سياسية حيوية تسهم في رسم وقراءة المشهد الإقليمي على إيقاع متغيرات ما بعد طوفان الأقصى، ومجرد إجراء الإنتخابات في الأردن في هذا الظرف كان كافيا لطرح سؤال حول مدى قدرة النظام السياسي على احتواء تداعيات انتخابات تقوم على إقصاء التيارات الشعبية التي أثبتت تمثيلا واسعا في الشارع تحت عنوان التضامن مع غزة والمقاومة، وفي طليعتها جبهة العمل الإسلامي، ولذلك كان التساؤل والترقب لمعرفة ما إذا كانت الإنتخابات سوف تفتح الطريق لصعود هذا التيار في المشهد السياسي الرسمي، والسعي لقراءة ما يختزنه ذلك من رسائل وأبعاد.
- النتائج المعلنة رسميا كانت اعترافا رسميا بالحد الأدنى لتمثيل هذا التيار الذي تقول استطلاعات الرأي أنه يمثل 75% من الأردنيين، والحد الأدنى الذي ناله هذا التيار قارب 25% من عدد مقاعد البرلمان، مع نصف مليون صوت للمكون الأبرز في هذا التيار الذي تمثله جبهة العمل الإسلامي، الشقيق التوأم لحركة حماس عقائديا وسياسيا و حزبيا، ونظرا لخصوصية الانتخابات في مكانة التمثيل العشائري الذي يطغى على الدوائر المحلية يكفي ان جبهة العمل نالت تقريبا ما يوازي مجموع ما نالته الأحزاب الأخرى مجتمعة في المقاعد المنتخبة على أساس القوائم الوطنية المخصصة للأحزاب، وبذلك نالت عدد مقاعد عن اللوائح الحزبية ست مرات تقريبا ما ناله الحزب الثاني بعدها، وكان هذا متوقعا في أي انتخابات تمنح فيها العملية الانتخابية فرص التعبير عن حقيقة ما يجري في الشارع الأردني.
- النتائج تفتح الطريق أمام طرح الحوار الوطني تحت قبة البرلمان، وتوصيات تتصل بمستقبل اتفاقات السلام والتطبيع والعقود والاتفاقات الاقتصادية مع كيان الاحتلال، ومصير سفارة الاحتلال، وربما الدعوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا كله سوف يريح النظام من شارع يشعر بالعدائية ويعتقد أن النظام يتخذ اصطفافا مخالفا لمشاعر شعبه، سواء عبر الطريق البري الذي ينقل البضائع لكيان الاحتلال كتعويض عن الحصار الذي فرضه اليمن على العبور البحري للسفن التجارية الى موانئ الكيان ونجاحه باقفال ميناء إيلات كنتيجة لذلك، او مشاركته في التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة التي تستهدف عمق الكيان، خلال الرد الايراني بعد قصف القنصلية الايرانية في دمشق، وكذلك خلال العمليات التي تنفذها المقاومة العراقية، ويمثل فتح طريق المؤسسات الدستورية أمام التيار الشعبي الداعم لغزة والمقاومة دعوة الى التلاقي في منتصف الطريق، وهذا يعني أن النظام مستعد ليقطع نصفه الخاص مقابل تحدي ينتظر القوى الداعمة للمقاومة لبلورة نصف مقابل عليها أن تقطعه، وهو على الأرجح الالتزام بجعل دعم فلسطين سياسيا وإعلاميا واقتصاديا، مقابل تحييد الأردن عسكريا وربما تجميد بعض الاتفاقيات.
- الحدث ليس فوز التيار الإسلامي الداعم للمقاومة، بل إجراء الانتخابات في هذه الظروف وفتح المجال لتنقل هذا التيار إلى داخل البرلمان كقوة كبرى مقررة، وإذا كانت الاسباب الأردنية للقيام بذلك معلومة ومفهومة لتفادي أزمة داخلية كبرى، أوضح المناخ الشعبي التفاعلي مع عملية الكرامة حجم الغليان الذي يعيشه الشارع، كما أظهر تعامل النظام مع استشهاد ماهر الجازي بانفتاح يصل إلى حد التبني، فهما جديا لدرجة المخاطر التي يحملها تجاهل هذا المزاج الشعبي او تحديه، لكن الأردن ليس بلدا هامشيا في الصراع حول فلسطين، ولا في مفهوم ومنظور أمن الكيان، أو في معادلات النفوذ الأميركي في المنطقة، ولذلك لا يمكن الاكتفاء بفهم المعادلات الداخلية لتفسير مواقف النظام خارج السياق الإقليمي لهذه المواقف.
- السؤال هو هل يريد النظام توجيه رسائل خارجية تقول انه يحترم الديمقراطية التي يروج لها الغرب كله، ولكن ها هي الديمقراطية فهل تستطيعون التعامل مع نتائجها، وهو يضيق ذرعا ببلادة التلقي الأميركي لمخاطر السياسات الإسرائيلية على الأوضاع الداخلية للدول التي تعتبر حليفة وصديقة لواشنطن، والأردن المهدد بمشروع الوطن البديل أحد هذه الدول، أم أن الأردن تلقى إشارات كافية لمعرفة ان انسحابا أميركيا من سورية والعراق صار على الطاولة، وأن عليه ترتيب أوضاعه استعدادا لاستحقاقات ما بعد هذا الانسحاب؟
2024-09-12 | عدد القراءات 35