قاسم يستعيد ما بين نصرالله وبري
التعليق السياسي - كتب ناصر قنديل
- لم تكد بعض الأقلام والأصوات المتربصة أو المستعجلة تتحدث عن تجاوز الحراك السياسي والدبلوماسي الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري لثوابت يتشبث بها حزب الله في إدارة المعركة المعقدة التي يتصدى لها، خصوصا لجهة الترابط بين جبهتي لبنان وغزة، حتى جاءت الإطلالة الموفقة والمدروسة لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تبدد كل الشكوك حول التنسيق والتناغم بين حراك الرئيس بري وقيادة حزب الله، في استعادة لما كان دائما بين السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري.
- حرص الشيخ قاسم على استخدام مفردة الأخ الأكبر التي كان يعبر من خلالها السيد نصرالله دائما عن حجم المكانة التي يحتلها الرئيس بري في وجدانه وفي قلوب مجاهدي المقاومة، وعن الثقة المطلقة التي يبادلها أحدهما مع الآخر والتناغم الذي يحكم علاقتهما بما لا يحتاج إلى تنسيق مسبق في إدارة المعركة الواحدة.
- حدث شيء مشابه عام 2006 عندما أصيب بارتباك كبير كثير من مؤيدي المقاومة و برزت فرصة للاصطياد في ماء عكر أمام كثير من المتربصين بالمقاومة خلال حرب تموز 2006 عندما أعلن الرئيس بري ان احد بنود أي قرار لوقف النار سوف يكون نشر وحدات كبيرة من الجيش اللبناني في الجنوب وخصوصا منطقة عمل اليونيفيل، بعد غياب طويل لسنوات منذ الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، ورفض رئيس الجمهورية اميل لحود إرسال الجيش عام 1993 إلى مناطق عمل المقاومة بوجه الاحتلال الذي كان لا يزال في الشريط الحدودي، ولم يتغير الوضع بعد التحرير عام 2000، بحيث بدا أن حزب الله يعارض هذا الانتشار، وبعد نهاية الحرب كشفت المعلومات التي تداولها السيد نصرالله والرئيس بري مع افعلام عن تنسيق مسبق بينهما على مواجهة دعوات لثلاثية قوامها نشر قوات متعددة الجنسيات ونزع سلاح المقاومة والفصل السابع، بثلاثية قوامها نشر الجيش وتعزيز اليونيفيل وامتناع المقاومة عن الظهور المسلح جنوب الليطاني، على أن يظهر ذلك كأنه اقتراح منفرد من الرئيس بري تقبله المقاومة كحل وسط وليس مبادرة أصلية صادرة عنها او بالتنسيق معها.
- الواضح أن الحراك الذي يقوده الرئيس بري يركز على ربط وقف النار وتطبيق القرار 1701 وفقا لما تقول ظروف ولادته وتطبيقه، بسقف الامتناع عن الظهور المسلح الذي التزم به حزب الله طيلة فترة ما قبل الحرب، وليس بنسخ منقحة تعبر عن رغبات أصحابها بتطبيق ما فشلت حرب تموز في فرضه على المقاومة مثل التعهد بالانسحاب الى ما وراء نهر الليطاني وما يعنيه ذلك من طلب آليات تحقق لعدم وجود المقاومة في منطقة جنوب الليطاني، وهو ما فشلت محاولات فرضه خلال مفاوضات ولادة القرار 1701 كمثل منح اليونيفيل صلاحيات ردعية وحق التفتيش والنزول إلى الأودية وسواها من المطالب، لكن حراك بري يتفادى الحديث عن الربط بجبهة غزة، بصورة أثارت ريبة بعض الصادقين ومنحت فرصة للمتربصين، تماما كما جرى عام 2006.
- الواضح اليوم أن المقاومة بلسان الشيخ قاسم تؤكد تمسكها بالترابط بين جبهتي لبنان وغزة، وأنها لا تمانع الكلام الصادر عن اللقاء الذي عقد برئاسة بري وضم معه الرئيس نجيب ميقاتي والأستاذ وليد جنبلاط، والداعي إلى أولوية وقف إطلاق النار، وقد كرر الشيخ قاسم هذه الأولوية كشرط للبحث بأي شيء آخر، بحيث تكون الادارة السياسية والدبلوماسية أمام غموض بين تداخل ثلاثة دوائر، دائرة يمثلها حزب الله تقول بترابط الجبهات، ودائرة يقودها الرئيس بري تقول بأولوية وقف النار على جبهة لبنان، وبين الدائرتين دائرة ثالثة مشتركة اسمها قبول لبنان بالبيان الأميركي الفرنسي الذي ساندته دول غربية وعربية، ويدعو لوقف مؤقت لإطلاق النار على بجهة لبنان لثلاثة أسابيع يتم خلالها التفاوض على تطبيق القرار 1701 بالنسبة للبنان والقرار 2735 بالنسبة لغزة، مقيما هذا النوع من الترابط بين الجبهتين.
- يقول التعليق الاستفزازي لواشنطن على كلام الشيخ قاسم، بدلا من تشجيعه، بالقول إنه تعبير عن ان حزب الله في حالة دفاعية، أن واشنطن تدرك أن تقاسم الأدوار والتناغم بين مواقف حزب الله وبري يرمي الكرة في ملعب واشنطن صاحبة مبادرة الدعوة لوقف النار واحراج حزب الله، ويظهر أن المشكلة في وقف النار هي إسرائيلية وليست لبنانية، وان إنضاج تل أبيب التي كانت تطلب سابقا وقف النار على جبهة لبنان، ودخلت الآن تحديا كبيرا يتمثل بالنجاح في التوغل البري، بات بين يدي المقاومة في الميدان، وعندما تصل تل أبيب للقبول مجددا، سوف تكون موازين القوى قد تغيرت ضدها، لأنها اذا فازت بالعملية البرية كما ترغب هي وواشنطن، سوف نكون أمام ما هو أبعد بكثير في تغيير المشهد الجيو استراتيجي يصبح معه القرار 1701 شيئا من الماضي.
- المقاومة تتولى الميدان وربط الجبهات جزء منه، حتى تأتي بالاسرائيلي صاغرا لوقف النار، وما سوف يكون عندها على الطاولة ليس الفصل بين الجبهات بل الحاجة الأميركية الاسرائيلية لربطها، للخروج من الحرب التي تكون قد تحولت الى عبء استراتيجي على واشنطن وتل أبيب، ويصبح الأميركي متحمسا للعودة الى البيان الأميركي الفرنسي الذي قال انه مات ولم يعد على الطاولة.
- في البعد الداخلي يقدم حراك الرئيس بري فرصة أضاعها المعنيون بها، ومضمونها الاستعداد لرئاسة توافقية بعد وقف النار، إذا تعاون اللبنانيون وتوحدوا بوجه العدوان، وجاء الرد الأميركي كاشفا للنوايا لهذا الداخل اللبناني الذي رفض المبادرة وقال ما قالته واشنطن، وهي انتخاب رئيس الآن تحت نيران الحرب الاسرائيلية، بصورة تفضح ان المطلوب مساومة تتم خلالها مقايضة وقف النار بهوية الرئيس ودرجة انضباطه بالتوجهات الأميركية، وفق معادلة اعطونا الرئاسة نعطيكم وقف النار، و التحسب لهذه الفرضية والسعي لإجهاضها قبل ولادتها كان هو جوهر الحركة الاستباقية للرئيس بري، وجوهر مساندة حزب الله لهذا الحراك، وفق معادلة هاتوا موافقة اسرائيلية على وقف النار ونحن حاضرون للتحدث.
2024-10-09 | عدد القراءات 54