الذكاء الاستراتيجي بين تلازم وفك الجبهات
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- كما هاجم البعض موقف السيد حسن نصرالله بفتح جبهة الاسناد، وهاجمه بعضهم الآخر لأنه لم يقم عبرها بفتح نار صواريخه على تل أبيب من اليوم الأول، وبعد استشهاده بقي هناك من يقول، لو لم يقم بفتح جبهة الإسناد لما استشهد، ومقابلهم من يقول لو قام بفتح نار الصواريخ على تل أبيب في اليوم الأول لما استشهد، هكذا أيضا سوف يهاجم البعض الشيخ نعيم قاسم لأنه أعلن استعداد حزب الله لقبول وقف النار على جبهة لبنان دون أن يذكر المعادلة التقليدية لجبهة الإسناد بأن وقف النار يبدأ من غزة، معلنا بوضوح الانتقال من حال جبهة الإسناد إلى حال جبهة دفاع عن لبنان بوجه الحرب الإسرائيلية، ويقولون لقد تخلى حزب الله عن غزة، ثم يقف بعض آخر ويقول عن أي وقف نار تتحدثون وحزب الله مدجج بالسلاح، يجب بحث مصير لبنان وسلاح حزب الله أولا بعدما قالت الحرب انه يستخدمه بما يعرض لبنان للخطر.
- كما لم يقم السيد نصرالله حسابا للأصوات التي هونت من قيمة جبهة إسناد لبنان مكتفيا بنظرة الاحتلال لخطورتها، مدركا انها اعلان حرب سوف يجلب كل الغضب الأميركي والاسرائيلي على حزب الله، ويجد بذلك تأكيدا على صواب قراره، وكذلك لم يقم حسابا للأصوات التي اتهمته بتوريط لبنان بحرب ليس له فيها ناقة ولا جمل، مكتفيا بما يعلمه عما يدبره الكيان للبنان إذا تحقق له ما يريد في حربه على غزة، كذلك لن يقيم الشيخ قاسم حسابا للذين سوف يتهمون الحزب بالتخلي عن غزة، مكتفيا بأن حجم التهديد الذي ظهر من جبهة لبنان كاف لجعل قبول الكيان بوقف النار تسليما بمعادلة اقليمية عنوانها التعايش مع تهديد كان نظريا وصار عمليا ولم تنفع في اقتلاعه أضخم عملية عسكرية أمنية اميركية اسرائيلية، فتصير حرب غزة تفصيلا صغيرا في المشهد الإقليمي الجديد، حيث بجهة لبنان تمنح الأمن للكيان وتحجبه عنه متى وكيفماتريد، وبكل تأكيد سوف يكون الأمثل للكيان الذهاب لوقف حرب غزة ضمن اتفاق ترعاه واشنطن ليضمن وقفا تلقائيا على جبهة لبنان من أن يقبل وقفا مهينا ومذلا للنار امام قوة حزب الله وتهديداته، والبديل اما الكيان هو أن يواصل حربه رفضا لوقف النار مانحا حزب الله مشروعية حربه الدفاعية التي كان يقول دائما انه بنى قوته لخوضها، وهو يردد كلاما سهلا وبسيطا، نحن لا نريد إلا وقف النار للتفاوض على آلية تطبيق القرار 1701، اي العودة الى ما قبل 7 اكتوبر على بجهة لبنان، لكن مع ظهور قوة عسكرية عملاقة على جبهة حدودية مع قوة الكيان التي فشلت باقتلاع أو ترويض هذا التهديد، ويقول للكيان أعيدوا مهجري مستوطنات الشمال بعد وقف النار فلا نمانع ان يعودوا الى بيوتهم وهو في موقع التهديد المقتدر، ولن يقيم حسابا للذين يريدون فتح ملف السلاح ومستقبله في لبنان، لأن ما عجزت عنه كل قوة الكيان ومن خلفه أميركا صار معدالة ثابتة في الشرق الأوسط، فوق البحث والنقاش، ومضمون الوطنية اللبنانية يترجمه سلاح حزب الله الذي يشكل السد العربي الأقوى بوجه الأطماع الاسرائيلية المثبتة، وأمام العدوانية الاجرامية المتوحشة للكيان التي لم تعد تحتاج دليلا، وسوف يكون لدى عموم اللبنانيين بعد وقف النار هنا يقين بانه لولا هذا السلاح لاصبح لبنان حقل رماية مفتوح لجيش الاحتلال، وصارت الدوريات الاسرائيلية تجوب الجنوب، كما تطلب ورقة جنرالات جيش الاحتلال في تصورها للضمانات الأمنية، أو يصير خط الحدود عند نهر الليطاني كما قال وزير حرب الكيان يوآف غالانت، أو يبدأ البحث بالاستيطان في لبنان كما قال وزير الأمن ايتمار بن غفير.
- بالنسبة لحزب الله تقف الاعتبارات العقائدية والمبدئية في المقام الأول، سواء في قرار فتح جبهة الإسناد، أو في قرار القبول بجعل وقف النار عنوانا للحرب الدفاعية اليوم، والتأكيد المبدئي على مكانة قضية فلسطين في رؤية الحزب للصراع في المنطقة، لكن بالمفهوم النظري للاستراتيجية العسكرية فإن ما فعله حزب الله ربما يكون من أضخم أنواع المناورات الاستراتيجية في تاريخ الحروب، فهو ذهب الى أقصى ما يتيحه الوضع اللبناني له من حرية مناورة عندما فتح جبهة الحدود كجبهة إسناد لغزة، حتى استفز بما يكفي قوة الردع ومعاني المهابة في صورة جيش الكيان، وقد قام الحزب بتهجير أغلب سكان مستوطنات الشمال على عمق عشرة كيلومترات، وأظهر وجود قوة عسكرية هائلة على الحدود لا يمكن للكيان قبول التساكن معها والبقاء بصورة القوة والردع، حتى جاء جيش الكيان مدعوما بكل القوة الأميركية النارية والاستخبارية الى حرب استئصال للحزب، استشهد فيها قائده الأعلى وأغلب قيادته العسكرية، واصيبت بيئته وبنيته بخسائر فادحة، لكنه نهض من هذا الركام وأظهر قوة هائلة احبطت الهجمات عبر الحدود، ووصلت نيرانها الى حيث يبدو الكيان بلا أمن وبلا سقف وبلا حول ولا قوة، وفي هذه اللحظة من القوة والتحدي والغضب المتبادل على طرفي الحرب بين الحزب والكيان، قال حزب الله أنه يكتفي بوقف النار على بجهة لبنان ويسمح بعودة المهجرين ويمكن بعدها البحث بالباقي، متخذا من ما وفرته له نيرانه ومهابته الناجمة عن النهوض من الركام، أوسع ما تتيحه المناورة الاستراتيجية للقول انه مجرد مدافع عن لبنان، وانه يعرض على الكيان التساكن مع تهديد استراتيجي يجب التسليم بانه لم يعد قابلا للنقاش بعد وقف النار، او مواصلة حرب تفقد مبرراتها وشعاراتها، فها هو الحزب يقبل بوقف النار دون وقفه في جبهة غزة، ويتيح عودة المهجرين، والكيان رفع شعاري فك جبهة لبنان عن جبهة غزة واعادة المهجرين، وان واصل الكيان الحرب تحت شعار اعادة ترتيب الوضع في جنوب لبنان، وطلب منطقة عازلة، وحق المطاردة، وسحب السلاح، وتفكيك الحزب وما يتحدث عنه ضباط جيش الاحتلال من هراء، يضحك الحزب في سره ويقول جئتم الى مقتلكم، ويسأل الذين كانوا يطالبونه من اللبنانيين بقبول وقف النار على جبهة لبنان، ويقول ها أنا اقبل لكن الكيان لا يقبل، فهل ثمة طريق غير القتال لحماية لبنان؟
- الذكاء الاستراتيجي لحزب الله هو مقتلة كيان الاحتلال، وكما وقع في شباك حرب جبهة الإسناد هو يقع اليوم في شباك حرب الدفاع عن لبنان، أما الذين يتساءلون، فهم أنفسهم وسوف يبقون يتساءلون، إن قاتل الحزب يقولون انه يعرض لبنان للخطر وإن لم يقاتل يقولون ولماذا هذه الأسلحة، وإن أعلن جبهة الإسناد لغزة يقولون مغامرون يساندون مغامرين، وإن لم يفجر حربا كبرى يقولون ماذا تنتظر أن غزة تذبح وانت تتفرج، ولأن العبرة بالخواتيم، فإننا للمتساءلين نقول، لا تستعجلوا كثيرا، انتظروا، يضحك كثيرا من يضحك أخيرا، ولا تلامون إذا استعصى عليكم اللحاق بذكاء المقاومة الاستراتيجي.
- معادلتان الآن تظهران، إيران تتولى مكان حزب الله في اظهار التهديد واستدراج الكيان الى المقتلة الأكبر وقد قدمت في ردها ما لا يمكن ابتلاعه من الكيان، تماما كما فعلت جبهة الاسناد، والثانية أن حزب الله قدم تلازم الجبهات عندما كان ذلك اشد ايلاما للكيان ويقدم فك الجبهات عندما يصير هذا الاشد ايلاما للكيان، مسلما عصا السباق لإيران في سباق البدل.
2024-10-15 | عدد القراءات 62