يحيى السنوار: أيقونة المقاومة الفلسطينية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- قدم هذا المقاوم الفلسطيني سيرة حياة مثالية ليكون ايقونة نادرة في تجسيد البطولة والفروسية والشجاعة من جهة، والوضوح في الرؤية والبصيرة لفهم جوهر الصراع مع الكيان الذي فهمه كما لم يفهمه قادته، وجمع الى ذلك قدرة قيادية استثنائية سواء في كسب ثقة وحب المقاومين، أو في تخطيط وتنظيم وإدارة العمليات وتوظيف قدرات المقاومة البشرية والمادية لصناعة نقاط تحول مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية.
- سيكتب التاريخ ان هذا المقاوم كان مهندس الحدث الذي أعطاه عنوان طوفان الأقصى، فتحول الى أهم حدث عربي وعالمي لعام كامل وأكثر، وقلب المعادلات وغير اتجاهات السياسة، من مناخ كان عنوانه النجاح في تهميش القضية الفلسطينية وفتح مسار التطبيع مع الكيان وشرعنة الاحتلال، الى عكس الإتجاه وإعادة وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال الدولي والعربي وإثبات أن أي ترتيبات للمنطقة لا تأخذ بالاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني ليست إلا سرابا لا يقبل الحياة.
- نجح السنوار بإثبات قدرة المقاومة على كسر المهابة التي صنعت لجيش الاحتلال ووصفه بالجيش الذي لا يقهر، فمرغ أنفه ووجهه في وحل لن يمسح عنه صورته مدى الحياة، عبر الطوفان الذي منحه سنوات عمره بعد تحريره من الأسر اعدادا وتخطيطا وتحضيرا وتنفيذا، ثم منحه حياته شهيدا بعد عام من المقاومة، وفتح عبر الطوفان الباب لنقاش لن ينتهي في الكيان حول المأزق الوجودي، فمن يضمن الأمن للكيان ومن يضمن له البقاء، ما دام بمستطاع الفلسطينيين أن يعيدوا فعل ما فعلوه في يوم الطوفان، ومنح الفلسطينيين بالمقابل الأمل باستعادة بلدهم وحقوقهم طالما أنه قدم لهم المثل بما يستطيعون فعله وما يترتب على هذا الفعل.
- فتح السنوار الطريق واسعا أمام وعي شعوب العالم لحقيقة القضية الفلسطينية عبر هذا الحدث الدرامي الضخم الذي هز العالم، وما ترتب عليه من انكشاف العمق الإجرامي المتوحش لكيان نجح عقودا طويلة بتقديم نفسه بصورة المظلومية والمدنية والحضارة، وها هو ينكشف بأكثر صورة تعبر عن حقيقته العنصرية الدموية القاتلة للحياة، وها هي شعوب العالم وشبابه خصوصا يتعرفون على أحقية الشعب الفلسطيني ومظلوميته ويقبلون سرديته التاريخية للحق والاحتلال والعنصرية وحرب الإبادة، لتولد على يدي حرب السنوار معادلات ثقافية جديدة تحملها الأجيال الشابة لم يعد ممكنا تجاوزها.
- حرم السنوار عدوه من ادعاء التفوق الاستخباري واكتشاف مكانه والذهاب الى قتله، فقد استشهد بقذائف ورصاص الاحتلال وهو يحمل بندقيته ويقاتل كمقاوم، ولم يتعرف عليه جيش الاحتلال ومخابراته إلا بعد استشهاده، فاتحا الباب للصورة الموازية وهي صورة القائد المقاتل الذي لا يحتمي كما قال الاحتلال بالأسرى ويجلس داخل نفق محصن متخذا من هؤلاء الاسرى دروعا بشرية تحميه.
- كما قدم السنوار في الأسر صورة القدوة المناضلة والصابرة والقيادية، فكان عنصر توحيد بين أسرى المقاومة الفلسطينية والعربية، وكان شغله الشاغل تعلم المزيد عن الكيان خلال الأسر وكيفية تحويل الأسر من تحد الى فرصة، فأتقن لغته وعرف عنه الكثير وكتب الكثير وأعد خطته لقلب الطاولة، ونجح بعد تحريره من اعادة صياغة معادلات حركة حماس والقسام لحساب أولوية هذه الخطة، فحرر خماس من عقدة الذنب التي مثلها الموقف الخاطئ من الحرب على سورية، وقاد حماس نحو موقعها الطبيعي في قلب محور المقاومة، وصولا الى ساعة صفر الطوفان، فكان له من محور المقاومة هذا الإسناد حتى الاستشهاد الذي جسده بأبهى صوره القائد الكبير السيد حسن نصرالله، بينما توجت قائد حماس الشهيد اسماعيل هنية الذي كان رفيق دربه وشريكه في مسيرته والمؤتمن على قيادة الحركة حتى سلمه الأمانة ومن بعدها الشهادة.
- بعد السنوار مقاومة مستمرة أثبتت أنها لا تسقط القضية مهما كانت الكلفة، وشهادة القائد سوف تزيدها صلابة، وهي تثبت في الميدان استحالة أن ينجح الاحتلال ببسط سيطرته على قطاع غزة، وما يرتكبه الاحتلال من جرائم يومية يمنح المقاومة مزيدا من اليقين بأن قدر الفلسطينيين هو النصر أو الشهادة، بينما لن يكون سهلا الوصول الى صفقة تبادل تعيد أسرى الكان بغير الشروط التي وقف عندها السنوار، علما انه وحده كان يملك القدرة على التفاوض على شروط أعلى أو أدنى، ومعه تفويض المقاومين، بينما لن يكون لمن يخلفه هذه القدرة وستكون أي عملية تفاوض أشد تعقيدا وصعوبة.
- غزة كما لبنان بوابات حروب مفتوحة لا يستطيع الكيان أن يحلم بتحقيق انجازات سياسية أو عسكرية فيها، ولن يستطيع انهاء الحرب إلا بالتراجع، وكلما مر المزيد من الوقت زادت كلفة التراجع كما زادت كلفة الاستمرار بالحرب، وهذه لعن اسمها لعنة السنوار وسوف تلاحق الكيان وقادته.
2024-10-18 | عدد القراءات 53