نقاط ع الحروف 1/11/2024

القرار 1701 بين الربط والفك مع غزة؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- بين حسن النية وسوء النية تجاه المقاومة يطرح السؤال حول استمرار المقاومة بالالتزام بالربط مع جبهة غزة، فيتخذ البعض من كلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الواضح حول غزة سببا للقول أن هذا الربط لا يزال قائما، ويذهب البعض الآخر الى كلام الأمين العام نفسه عن وقف إطلاق النار والقرار 1701 ودعم الحراك الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري والحديث عن الانتقال من جبهة إسناد إلى حرب دفاع عن لبنان للقول إن المقاومة تخلت عن الربط مع غزة الذي بدأت به حربها، فما هي الحقيقة؟

- بالتأكيد فرض حجم الحرب التي بدأ الاحتلال بشنها على لبنان والمقاومة، منذ 17 أيلول وصولا الى 27 أيلول واغتيال الأمين العام لحزب الله وقائد المقاومة ومحورها السيد حسن نصرالله، الكثير من التحديات والتعقيدات التي فرضت تغييرات هيكلية في طبيعة الحرب، من حرب عنوانها إخضاع غزة ومقاومتها لشروط تلبي رؤية الكيان لادارة غزة بعد الحرب وتحجيم المقاومة فيها، وتحصيل مكاسب أمنية واستراتيجية في جغرافية غزة، والتعامل مع جبهات الإسناد كعامل قوة لتعزيز صمود غزة ومقاومتها بوجه مضمون الطروحات التي تضمنتها العروض التفاوضية لحكومة الاحتلال، الى مرحلة جديدة برزت أيضا على سمار غزة، كما في المواجهة مع إيران، عنوانها إنهاء مرحلة توازن الردع مع محور المقاومة، وفرض الهيمنة الاستراتيجية على المنطقة، انطلاقا من الاعتقاد بأن المقاومة اللبنانية التي يشكل حزب الله قوتها المحورية هي قلب محور المقاومة وفائض قوته، وأن السيد نصرالله هو قيمته المضافة، وأن توجيه ضربة قاضية للحزب والسيد نصرالله، تقصم ظهر محور المقاومة وتفتح الطريق لبيئة استراتيجية جديدة في المنطقة، بما في ذلك مع ايران، وكان واضحا أن هذا الانتقال تم بتعاون اميركي اسرائيلي كامل تحقق خلال زيارة بنيامين نتنياهو الى واشنطن نهاية شهر تموز الفائت، وترجمت فورا باغتيال القائد فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، وتتالت بعدها الضربات بصورة مركزة نحو حزب الله انتهاء باغتيال السيد نصرالله.

- لم يبق الاحتلال انتقال الجبهة الرئيسية نحو لبنان سرا، فقد اعلن ان وعمل بموجب هذا الإعلان عبر نقل فرقه التالية وتركيز غاراته الجوية، لحسم الحرب مع حزب الله بنصر بائن، وصار مستقبل الحرب في لبنان بين المقاومة والاحتلال هو الذي يقرر مستقبل المنطقة وغزة ضمنا، فإذا تحقق للاحتلال النصر، تغيرت قواعد المواجهة على كل الجبهات، وإذا فشل الاحتلال تغيرت قواعد الاشتباك على كل الجبهات عكسا، ولذلك صار تحقيق المقاومة للصمود اولا واستجماع القوى ثانيا ثم استعادة زمام المبادرة ثالثا، وصولا الى تحقيق النصر، هو الطريق لحماية محور المقاومة كله، وضمنه وفي المقدمة بين صفوفه غزة.

- تعافت المقاومة من الضربات بسرعة قياسية تصل الى حد المعجزة، وحققت التوازن المنشود بسرعة ايضا، ثم بدأت تسترد زمام المبادرة، لكنها كانت معنية بترتيب جبهتها الداخلية اللبنانية بما يتناسب مع انتقال الاحتلال من التعايش والتأقلم مع قواعد اشتباك فرضتها كجبهة إسناد لأحد عشر شهرا، جنبت خلالها لبنان تبعات الحرب، إلى اعلان حرب شاملة على لبنان ووضع أهداف بحجم الحصول على وصاية أمنية إسرائيلية ووصاية سياسية أميركية على لبنان، وفي ظل نزوح بيئتها المساندة كلها من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية الى سائر مناطق لبنان، وكان أول ما بين أيديها هو أن الاحتلال لم يعد سقف مشروعه وقف جبهة الإسناد للتفرغ لغزة وفرض شروطه عليها ثم الاستدارة نحو لبنان، وقد صار في قلب الحرب لتطويع لبنان ثم الاستدارة نحو سائر المحور وابقاء غزة تحت النار لتكون اللقمة الأخيرة في وجبته الدسمة، فصار قبول الاحتلال بوقف إطلاق النار والقرار 1701، اللذان كانا في مرحلة ما قبل الحرب الشاملة على لبنان وشهور جبهة الإسناد اطارا مقبولا مرحليا للاحتلال لضمان فك الربط بين جبهتي غزة ولبنان، وحسم غزة ثم العودة الى لبنان، بمثابة إعلان فشله في الحرب وهزيمة لمشروع فرض الردع الاقليمي الاستراتيجي، لانهما يعنيان بقاء قوة المقاومة في لبنان كما كانت معادلاتها قبل طوفان الأقصى كتهدبد استراتيجي، لن تتوافر فرصة جديدة لمواجهتها واضعافها وتحجيمها ان لم يكن اجتثاثها، وقد جرى استثمار اعلى قدرات النار والمخابرات بتعاون اميركي اسرائيلي غي قابل لتكرار انجازات بحجم ما تحقق، بما لا يجوز هدره و التراجع عنه وارتضاء العودة الى التساكن مع التهديد ربما الى الأبد، لان ضياع هذه الفرصة يعني عمليا ان لا فرصة قادمة على الأقل في الأفق القريب والمتوسط.

- التقطت المقاومة الفرصة وأعلنت بصورة مدروسة وغامضة، جمعا غير مفهوم بين التزامين، الربط مع غزة، والانفتاح على حراك سياسي ودبلوماسي عنوانه وقف إطلاق النار والقرار 1701، الأول من موقعها في محور المقاومة، و الثاني من موقعها اللبناني، وتركت لفعلها في الميدان أن يتكفل بالتفسير، لأن قبول الاحتلال بالقرار 1701 يعني التخلي عن مشروع الردع الاستراتيجي لمحور المقاومة، طالما انه قبول بالتساكن مع القوة المركزية في هذا المحور، والتخلي عن مشروع اسقاطها وتقليم أظافرها، والحاق الهزيمة بها، و يعني تماما عكس ما يطلبه الاحتلال من الحرب، الانسحاب من المناطق الحدودية المحتلة بدلا من احتلال المزيد وشرعنته تحت شعار الضمانات الأمنية، ووقف الانتهاكات الجوية والمائية بدلا من شرعنتها، وقبول المقاومة بسلاحها على الحدود مع اختفاء المظاهر المسلحة فقط، وفرض القرار 1701 اطارا للأمن عبر الحدود هو عمليا إسقاط لأهداف الحرب.

- لا تخوض المقاومة كثيرا في النقاش حول كيف تقبل بوقف النار و القرار 1701، لأنها تعلم أن تبنيها لهذا العنوان للحرب يرتبط باستحالة قبول الاحتلال بعدما شن حربه وحدد أهدافها، وعندما يهزم الكيان هزيمة استراتيجية تشكل شرطا لتهيئته للقبول بذلك، سوف يفضل الذهاب الى غزة وتجاهل الجبهة اللبنانية، والايحاء بأن أهمية قضية الاسرى دفعته لقبول اتفاق هناك، وهو يعلم أن الاتفاق مع غزة يعني وقف إطلاق النار في كل جبهات محور المقاومة، لكن دون الاعتراف السياسي بأثمان يدفعها على أي من هذه الجهات، فيبقي ربط النزاع مع لبنان، مع وقف إطلاق النار دون اتفاق، ليتمكن تدريجيا من فتح تفاوض في ظل وقف إطلاق النار يمهد للعودة البطيئة نحو القرار 1701 تفاديا لوقع الاعتراف بالهزيمة.

- تدرك المقاومة أن الحرب ليست حرب كلمات، بل حرب ميدان، ولذلك تختار افضل العناوين لاطلاق يدها وحماية ظهرها في خوضها لحرب الميدان وتحقيق النصر فيه، وهذا دور ال 1701 كعنوان، وعندما يهزم الاحتلال سوف نرى أن الهزيمة تكون شاملة أو لا تكون، أليس ملفتا أنه عندما بدأ الميزان يتغير في الميدان تم انعاش المسار التفاوضي حول غزة بينما كل الوقائع تقول بخلاف توقعات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أن لا مسار تفاوض جدي على جبهة لبنان، أما عن كلامه حول تأخر المقاومة في إعلان الفك مع جبهة غزة، فالجواب هو ان اعلان الفك لم يتم بل تغيرت طريقته، وإذا كان قصده اعلان القبول بالعودة الى القرار 1701، فالمقاومة تأخرت صحيح، تأخرت حتى صار قبول الكيان بالقرار هزيمة له ونصرا للمقاومة، وفتحا للطريق نحو الربط مع غزة، بعدما كان قبول المقاومة بالقرار في ايام جبهة الإسناد هزيمة لها ولغزة وإعلان فك الربط معها.

 

 

2024-11-01 | عدد القراءات 42