في السياسة التي توصف بفن الممكن تبنى التحالفات وفق مبدأ المصالح والإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف والتطلعات الاستراتيجية البعيدة المدى والتكتيكية الأنية والقريبة المدى ، وفي أعراف الشعوب والدول أن تترك البراغماتية السياسية مجالاً للتراجع عن المواقف والسياسات الكبرى طريقاً وفق ما تقتضيه التطورات المرحلية التي ربما تخالف التوقعات والخطط التي ترسمها تلك الدول خاصة في القضايا الكبرى التي يتوقف عليها مصير دول ورسم خرائط جيوسياسية كبيرة إقليمية وربما عالمية ،وفي منطق التجارة مبدأ يقضي بأن لا يضع التاجر البيض كله في سلة واحدة.
وحدها الدول الفاشلة التي تمضي في سياساتها دون أن تترك لخط الرجعة أي حسابات ،وتغامر وتقامر بكل البيض في سلة واحدة وتتورط حتى النخاع في ملفات أكبر من حجمها على أمل أن تعزز مكانتها في نادي الكبار في السياسة ،هذا ما سعت إليه تركيا في ظل موجة ما سمي الربيع العربي ربما نجحت في بعض المحطات بكسب بعض النقاط الأنية في معارك مصر وتونس وليبيا ، سرعان ما خسرتها بعد سقوط المشروع الإخواني في المنطقة لتبقى الورقة السورية الأخيرة التي تلعب بها أنقرة لتبني مشروع مستقبلها السياسي على تصدر الحرب على سورية كرأس حربة في معركة إسقاط الأسد ،فسرعان ما قطع آردوغان شعرة معاوية مع دمشق الأسد مطلقاً الوعيد والمواعيد لاقتراب صلاته في المسجد الأموي بانياً استرتيجياته على دعم جماعة الإخوان المسلمين بغطاء المجلس الوطني تارة والائتلاف تارة أخرى وجناحها العسكري تحت يافطة وعنوان عريض الجيش الحر والذي سرعان ما سقط مع تنامي الجماعات الجهادية التي أغرت عناصره بالعودة إلى مشروعهم الإسلامي بالانضمام لها ، فتحلل الحر وتسيدت النصرة وداعش ولأن المشروع الآردوغاني في الحرب على سورية لا رجعة فيه فتحت ذراعيها للتنظيم وسهلت دخوله للأراضي السورية.
أدركت تركيا بأن إمساكها بورقة داعش فرصة ذهبية للسير في الحرب على سورية ،خاصة في ظل تواجد جبهة النصرة الشريك الحليف لداعش في الجنوب والدعم الإسرائيلي اللامحدود لفصائل النصرة ،التي توقعت تركيا أن تكون الذراع الرديفة لها في محاولة الضغط على دمشق وصياغة التفاهمات السياسية الكبرى في ظل غياب الرؤية الواضحة لأفاق الحل السياسي التي تنادي به الأطراف الدولية ،بدأ من وثيقة جنيف إلى مبادرات المبعوثيين الأممين التي لم ترى النور ،ما أغرى تركيا بالسير في دعم داعش باعتقادها أنها اللاعب الأكثر فاعلية على الأرض.
حساب البيدر السوري لم يوافق قبان آردوغان وسفن الميدان لم تسير وفق رياحه ،فبعد عملية القنيطرة والرد الموجع لحزب الله في مزارع شبعا سحبت الغطاء الإسرائيلي عن جبهة النصرة والمجموعات المساندة لها في الجنوب ،لتأتي العمليات العسكرية للجيش العربي السوري والمجموعات الرديفة وقوى المقاومة أوكلها في ما تشهدة قطاعات ريف درعا والقنيطرة من سقوط درماتيكي للمجموعات المسلحة في معارك كسر عظم ،ما يعكس إرادة سياسية تتجلى بإخراج هذه المنطقة من أي حسابات سياسية مستقبلية ،وعودتها لسيطرة الجيش السوري ما يعني خسارة آردوغان لتلك الجبهة ، ومع رفض القيادة السورية تمديد خطة ديميستورا إلى ريف حلب ،يدرك آردوغان فشله بخلق منطقة منزوعة السلاح بمحاذاة الحدود التركية بما يمكنه من دعم أوهامه ،ولعل إعلانه عن منطقة عسكرية مغلقة في محافظة شانلي أورفة بجنوب تركيا على الحدود المشتركة مع سوريا ،في ظل الاشتباكات الدائرة بين داعش والفصائل كردية في سوريا ،صورة عن الأزمة التي وصلت إليها تركيا في سورية خاصة ،وبعد أن أعلنها ديمستورا بأن الأسد جزء من حل الأزمة في سوريا ما يعني أن آردوغان لن يصلي في الجامع الأموي إلا بإذن من الأسد .... ديمستورا حسمها لاحل الا بالأسد.
2015-02-15 | عدد القراءات 2145