التشابه بالعداء للتاريخ بين الكيانات الإستيطانية داعش واميركا وإسرائيل - ناصر قنديل

الحديث  عن الطابع العدائي للتاريخ لتنظيم داعش ، يفتح الذاكرة الإنسانية  على المقارنة بالتجارب الفاشية المشابهة ، وفيما تركز الصحافة الغربية على المقارنة بتجربة النازية ، التي  حكمت المانيا ايام هتلر ، يبدو أن التشبيه الذي يجمع النازية بداعش  هو الطابع الدموي  والعنصري للسلوك نحو التجمعات السكانية المستهدفة ، وبخلاف  نازية هتلر المستندة إلى التمجيد العرقي لقومه الآريين ، داعش أشبه بالخمير الحمر الذين حكموا كمبوديا بعقيدة تلبس ثوب الشيوعية ، حيث الموقف العقائدي هو المقياس لحق البقاء  على قيد الحياة .

في العداء للآخر  لا تشبه سلوكيات داعش النازية بقدر ما تشبه الخمير الحمر ، أي حكم الإعدام جائز بحق  كل  من يخالف العقيدة ، والعقيدة هنا ليست الوهابية عند داعش و لا الشيوعية عند الخمير الحمر ، بل  من بايع الزعيم من بين أنصار العقيدة ، فالشيوعيون الذين لا ينضمون للخمير الحمر خطر أكبر من سواهم والوهابيون في النصرة أو الحكم السعودي أعداء أخطر  من سواهم .

لدى الصهيونية بعض من التشابه حيث يقسم الناس بين اليهود و الغوييم الذين يجب قتلهم والتخلص منهم لأنهم بهائم ، ولا يستحق الحياة إلا شعب الله المختار ، الموعود بأرض الميعاد ، وثمة شيئ من هذا لدى داعش ، أقرب للخرافة الصهيونية من رواية الخمير الحمر الكمبوديين ، حيث هم مبشرون بالجنة بوعد إلهي بالتدبر  في البشر ورقابهم وإستحلال أرزاقهم وأعناقهم وأعراضهم ، والأرض تتشابه بصفتها بلاد الشام وبين النهرين ، لكن هذه المرة بين نهري  دجلة والفرات وليس"  من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل ".

أما العداء للرموز التاريخية ، وما يجسده سلوك داعش نحو الأثار التاريخية والدينية والمقامات والمساجد والكنائس ، رموز الشعوب القديمة التي  سكنت المنطقة ما قبل الديانات السماوية ، وبقيت هذه الأثار حية ، رغم إقامة ثلاثة أشكال  من الحكم الإسلامي  ، من الدولة الأموية ، إلى الدولة العباسية ، وصولا للخلافة العثمانية ، فلا تشبهه النازية بقدر ما يشبهه سلوك  المهاجرين الأوروبيين إلى أميركا بحق  تراث الهنود الحمر كسكان أصليين وإبادة ذاكرتهم ، ومثله سلوك  الوافدين الصهاينة إلى فلطسين بحق  رموز الشعب الفلسطيني وتاريخه ، وصولا للتآمر  لهدم كنيسة القيامة والمسجد الأقصى .

التشابه بين حالة  داعش والحالتين الإستيطانيتين الأميركية والإسرائيلية ، يطال التشابه  في السعي لإبادة التاريخ ، ويفسره ، فكل الكيانات الإستيطانية تريد لتبرير مشروعية كيانها ، أن يبدأ التاريخ من عندها ، فتبيد مع السكان الأصليين وتهجيرهم ، كل ما يمنح للجغرافيا هوية تاريخية تتصل بالسكان الأصليين .

لذلك يحرص الإعلام الأميركي والإسرائيلي  على  تفادي  تناول العداء الداعشي للرموز التاريخية ويرفض توصيفها كمنهجية تدميرية للتاريخ ، وإستئصالية للذاكرة ، ويكتفي بالإدانة الشكلية الباردة لكل حادثة فاقعة تفرض حضورها بقوة ، ولكن بصفتها حادثة منفردة وليست كجزء من سياسة  وخطة .

بمثل ما لا تجرؤ أميركا على إدانة الطابع الإستيطاني لإسرائيل وتهجيرها وإبادة السكان الأصليين لفلسطين لأنها بذلك تدين تاريخ تكوينها المشابه ، لا تجرؤ أميركا وإسرائيل  على إدانة الطابع الإستيطاني لداعش بإستجلاب غير سكان البلاد من كل انحاء الدنيا وإحلالهم مكان هؤلاء السكان بعد تهجيرهم وقتلهم وكذلك إبادة كل  ما يتصل بذاكرتهم .

 

2015-03-07 | عدد القراءات 4250