الحديث عن الطابع العدائي للتاريخ لتنظيم داعش ، يفتح الذاكرة الإنسانية على المقارنة بالتجارب الفاشية المشابهة ، وفيما تركز الصحافة الغربية على المقارنة بتجربة النازية ، التي حكمت المانيا ايام هتلر ، يبدو أن التشبيه الذي يجمع النازية بداعش هو الطابع الدموي والعنصري للسلوك نحو التجمعات السكانية المستهدفة ، وبخلاف نازية هتلر المستندة إلى التمجيد العرقي لقومه الآريين ، داعش أشبه بالخمير الحمر الذين حكموا كمبوديا بعقيدة تلبس ثوب الشيوعية ، حيث الموقف العقائدي هو المقياس لحق البقاء على قيد الحياة .
في العداء للآخر لا تشبه سلوكيات داعش النازية بقدر ما تشبه الخمير الحمر ، أي حكم الإعدام جائز بحق كل من يخالف العقيدة ، والعقيدة هنا ليست الوهابية عند داعش و لا الشيوعية عند الخمير الحمر ، بل من بايع الزعيم من بين أنصار العقيدة ، فالشيوعيون الذين لا ينضمون للخمير الحمر خطر أكبر من سواهم والوهابيون في النصرة أو الحكم السعودي أعداء أخطر من سواهم .
لدى الصهيونية بعض من التشابه حيث يقسم الناس بين اليهود و الغوييم الذين يجب قتلهم والتخلص منهم لأنهم بهائم ، ولا يستحق الحياة إلا شعب الله المختار ، الموعود بأرض الميعاد ، وثمة شيئ من هذا لدى داعش ، أقرب للخرافة الصهيونية من رواية الخمير الحمر الكمبوديين ، حيث هم مبشرون بالجنة بوعد إلهي بالتدبر في البشر ورقابهم وإستحلال أرزاقهم وأعناقهم وأعراضهم ، والأرض تتشابه بصفتها بلاد الشام وبين النهرين ، لكن هذه المرة بين نهري دجلة والفرات وليس" من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل ".
أما العداء للرموز التاريخية ، وما يجسده سلوك داعش نحو الأثار التاريخية والدينية والمقامات والمساجد والكنائس ، رموز الشعوب القديمة التي سكنت المنطقة ما قبل الديانات السماوية ، وبقيت هذه الأثار حية ، رغم إقامة ثلاثة أشكال من الحكم الإسلامي ، من الدولة الأموية ، إلى الدولة العباسية ، وصولا للخلافة العثمانية ، فلا تشبهه النازية بقدر ما يشبهه سلوك المهاجرين الأوروبيين إلى أميركا بحق تراث الهنود الحمر كسكان أصليين وإبادة ذاكرتهم ، ومثله سلوك الوافدين الصهاينة إلى فلطسين بحق رموز الشعب الفلسطيني وتاريخه ، وصولا للتآمر لهدم كنيسة القيامة والمسجد الأقصى .
التشابه بين حالة داعش والحالتين الإستيطانيتين الأميركية والإسرائيلية ، يطال التشابه في السعي لإبادة التاريخ ، ويفسره ، فكل الكيانات الإستيطانية تريد لتبرير مشروعية كيانها ، أن يبدأ التاريخ من عندها ، فتبيد مع السكان الأصليين وتهجيرهم ، كل ما يمنح للجغرافيا هوية تاريخية تتصل بالسكان الأصليين .
لذلك يحرص الإعلام الأميركي والإسرائيلي على تفادي تناول العداء الداعشي للرموز التاريخية ويرفض توصيفها كمنهجية تدميرية للتاريخ ، وإستئصالية للذاكرة ، ويكتفي بالإدانة الشكلية الباردة لكل حادثة فاقعة تفرض حضورها بقوة ، ولكن بصفتها حادثة منفردة وليست كجزء من سياسة وخطة .
بمثل ما لا تجرؤ أميركا على إدانة الطابع الإستيطاني لإسرائيل وتهجيرها وإبادة السكان الأصليين لفلسطين لأنها بذلك تدين تاريخ تكوينها المشابه ، لا تجرؤ أميركا وإسرائيل على إدانة الطابع الإستيطاني لداعش بإستجلاب غير سكان البلاد من كل انحاء الدنيا وإحلالهم مكان هؤلاء السكان بعد تهجيرهم وقتلهم وكذلك إبادة كل ما يتصل بذاكرتهم .
2015-03-07 | عدد القراءات 4250