موسكو تمسك بجنيف - ناصر قنديل

ليس مجافاة للحقيقة أو إبتعادا عنها القول أن فشل  مؤتمر جنيف بحلقتيه الأولى والثانية ، في التوصل لحل سياسي او عناوين مشتركة للحل السياسي في سوريا ، عائد بصورة رئيسية لإرتهان من مثل المعارضة في المؤتمرين لقرار لا يعنيه مستقبل سوريا والسوريين ، ولا حتى مستقبل  هذه المعارضات ، فالنتائج  التي يراها أي  مراقب  منذ جلسات جنيف تدل بوضوح ، أن الإئتلاف الذي تصدر مقاعد  المعارضة يضمحل ويتضاءل حضوره ووجوده ، سواء السياسي أم الميداني ، حيث صارت كل نقطة يدعي الإئتلاف وجيشه الحر التواجد فيها ، سرعان ما  تظهر كمنطقة نفوذ لداعش أو النصرة ، وفي السياسة لم يعد الذين فرضوا الإئتلاف مفاوضا حصريا بإسم المعارضة ، قادرين أو معنيين ليفرضوا تكرار  الأمر .

واشنطن التي  تقود  حلف الحرب  على سوريا ، لم تعد أولويتها سوريا ، وفي سوريا لم تعد أولويتها الحرب  على الدولة السورية ، خصوصا أن الحرب  على الإرهاب  والتفاهم حول الملف النووي الإيراني شكلا بداية خلط لأوراق المنطقة وتحالفاتها ، وطريقة تموضع قوى الحرب  التي  قادتها واشنطن ، فلم تعد السعودية  ولا إسرائيل من تقرران السياسات الأميركية في المنطقة ، وكل منهما منشغلة بالتداعيات السلبية للتفاهم على مكانتها ، و لكل منهما إنشغال بحالها وهمومها ، وها هي إسرائيل تتفرج على مقاتلي  جبهة النصرة يخسرون مواقعهم في  منطقة القنيطرة والجولان بعد معادلة الردع للمقاومة في مزارع شبعا ، وها هي  السعودية منغمسة حتى أذنيها في ورطتها اليمنية .

من سيقف ويقول اليوم لا حل في سوريا إلا بما يرضي الإئتلاف ؟

لم يبق من هو على السمع ليلتقط صراخ الإئتلاف ، حتى الأتراك  الذين ورثوا هذه التركة بعدما إنشغلت السعودية بمصيبتها اليمنية وإستبدلت الإئتلاف بالأخوان المسلمين في اليمن ، بتقاسم مصالح مع تركيا لم يعد الإئتلاف أولويتهم ، فتركيا اليوم  تبحث  عن كيفية البقاء بخسائر صفر ، وترى طريقها في التقرب  من إيران والتخفف  من الأعباء التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، وإذا كان لابد من ورقة  تفاوضية للبيع والشراء في سوريا فهي  داعش أو النصرة بالنسبة لتركيا ، وليس الإئتلاف  الذي لو أرادت تركيا بيع جلده فلن تجد من يشتري .

في قلب  هذه الوقائع تقدمت موسكو ، لتلقف راية الراعي للحل السياسي ، وهي  تدرك  أن عنوان الحرب  على الإرهاب يعني شيئا واحدا  هو دعم الجيش السوري ، وأن الشرعية الدستورية هي الطريق الوحيد الذي يمنع تحول  الحلول المسماة سياسية إلى وصفة للفوضى وتفكك الدولة وبالتالي تجزئة الجغرافيا وضياع وحدة البلد ، ومن هنا صاغت روسيا بالتشاور  مع سوريا عناوين ورقة عمل  تصلح اساسا للحل السياسي ، وصارت تشتغل على فصائل المعارضة اتستكشف  من منها تلقى الدروس  والرسائل التي حملتها المتغيرات .

حصيلة  موسكو الثاني تقول أن موسكو نجحت في التحدي ، وان الورقة التي صدرت بالإتفاق بين المشاركين من وفد حكومي ووفود معارضة ، ستكون حكما أول  ما يجب أن يناقشه جنيف 3 ، سواء بفهم دور الجيش السوري في الحرب على الإرهاب ، أو دور الشرعية الدستورية كإطار للمشاركة السياسية ، والذين يخشون ذلك عليهم مقاطعة جنيف ، خصوصا ان ذكاء سوريا وروسيا بترك  صيغة جنيف  حول الحكم لجنيف المقبل نفسه ، يمنع الإئتلاف  من إتخاذ اي ذريعة للنيل  من مفهوم الحل السياسي ولو بقي  خارجه فليبق ضعيفا وبلا حجة .

موسكو وضعت سقف جنيف والجيش السوري يضع سقف الميدان ،  وبين السقفين لا مكان إلا للذين تعلموا الدرس ، بأن سوريا عصية على الكسر وعصية  على العصر، و ليست تونس ولا اليمن ولا ليبيا و لا مصر .

 

2015-04-11 | عدد القراءات 3399