ليس مجافاة للحقيقة أو إبتعادا عنها القول أن فشل مؤتمر جنيف بحلقتيه الأولى والثانية ، في التوصل لحل سياسي او عناوين مشتركة للحل السياسي في سوريا ، عائد بصورة رئيسية لإرتهان من مثل المعارضة في المؤتمرين لقرار لا يعنيه مستقبل سوريا والسوريين ، ولا حتى مستقبل هذه المعارضات ، فالنتائج التي يراها أي مراقب منذ جلسات جنيف تدل بوضوح ، أن الإئتلاف الذي تصدر مقاعد المعارضة يضمحل ويتضاءل حضوره ووجوده ، سواء السياسي أم الميداني ، حيث صارت كل نقطة يدعي الإئتلاف وجيشه الحر التواجد فيها ، سرعان ما تظهر كمنطقة نفوذ لداعش أو النصرة ، وفي السياسة لم يعد الذين فرضوا الإئتلاف مفاوضا حصريا بإسم المعارضة ، قادرين أو معنيين ليفرضوا تكرار الأمر .
واشنطن التي تقود حلف الحرب على سوريا ، لم تعد أولويتها سوريا ، وفي سوريا لم تعد أولويتها الحرب على الدولة السورية ، خصوصا أن الحرب على الإرهاب والتفاهم حول الملف النووي الإيراني شكلا بداية خلط لأوراق المنطقة وتحالفاتها ، وطريقة تموضع قوى الحرب التي قادتها واشنطن ، فلم تعد السعودية ولا إسرائيل من تقرران السياسات الأميركية في المنطقة ، وكل منهما منشغلة بالتداعيات السلبية للتفاهم على مكانتها ، و لكل منهما إنشغال بحالها وهمومها ، وها هي إسرائيل تتفرج على مقاتلي جبهة النصرة يخسرون مواقعهم في منطقة القنيطرة والجولان بعد معادلة الردع للمقاومة في مزارع شبعا ، وها هي السعودية منغمسة حتى أذنيها في ورطتها اليمنية .
من سيقف ويقول اليوم لا حل في سوريا إلا بما يرضي الإئتلاف ؟
لم يبق من هو على السمع ليلتقط صراخ الإئتلاف ، حتى الأتراك الذين ورثوا هذه التركة بعدما إنشغلت السعودية بمصيبتها اليمنية وإستبدلت الإئتلاف بالأخوان المسلمين في اليمن ، بتقاسم مصالح مع تركيا لم يعد الإئتلاف أولويتهم ، فتركيا اليوم تبحث عن كيفية البقاء بخسائر صفر ، وترى طريقها في التقرب من إيران والتخفف من الأعباء التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، وإذا كان لابد من ورقة تفاوضية للبيع والشراء في سوريا فهي داعش أو النصرة بالنسبة لتركيا ، وليس الإئتلاف الذي لو أرادت تركيا بيع جلده فلن تجد من يشتري .
في قلب هذه الوقائع تقدمت موسكو ، لتلقف راية الراعي للحل السياسي ، وهي تدرك أن عنوان الحرب على الإرهاب يعني شيئا واحدا هو دعم الجيش السوري ، وأن الشرعية الدستورية هي الطريق الوحيد الذي يمنع تحول الحلول المسماة سياسية إلى وصفة للفوضى وتفكك الدولة وبالتالي تجزئة الجغرافيا وضياع وحدة البلد ، ومن هنا صاغت روسيا بالتشاور مع سوريا عناوين ورقة عمل تصلح اساسا للحل السياسي ، وصارت تشتغل على فصائل المعارضة اتستكشف من منها تلقى الدروس والرسائل التي حملتها المتغيرات .
حصيلة موسكو الثاني تقول أن موسكو نجحت في التحدي ، وان الورقة التي صدرت بالإتفاق بين المشاركين من وفد حكومي ووفود معارضة ، ستكون حكما أول ما يجب أن يناقشه جنيف 3 ، سواء بفهم دور الجيش السوري في الحرب على الإرهاب ، أو دور الشرعية الدستورية كإطار للمشاركة السياسية ، والذين يخشون ذلك عليهم مقاطعة جنيف ، خصوصا ان ذكاء سوريا وروسيا بترك صيغة جنيف حول الحكم لجنيف المقبل نفسه ، يمنع الإئتلاف من إتخاذ اي ذريعة للنيل من مفهوم الحل السياسي ولو بقي خارجه فليبق ضعيفا وبلا حجة .
موسكو وضعت سقف جنيف والجيش السوري يضع سقف الميدان ، وبين السقفين لا مكان إلا للذين تعلموا الدرس ، بأن سوريا عصية على الكسر وعصية على العصر، و ليست تونس ولا اليمن ولا ليبيا و لا مصر .
2015-04-11 | عدد القراءات 3399