كتب ناصر قنديل - فوز أوباما وسوريا ؟

 

 فوز أوباما وسوريا ؟

 

ربما أكون من القلائل الذين حسموا أمر فوز اوباما بالرئاسة قبل شهور من موعدها وبعيدا عن استطلاعات الرأي والمناظرات ودورها مستندا إلى أن الإمبراطورية الأميركية قد شاخت ولم تعد قادرة على خوض الحروب بعد هزائمها وأن مسؤوليتها عن حماية إسرائيل وتدفق النفط تحتاج رئيسا يلجم التهور الإسرائيلي نحو الحروب ويترك لقادتها فرص التبجح والتذرع بالمنع الأميركي من جهة ورئيسا قادرا على إنتاج صفقة تقاسم مصالح مع مثلث آسيا الصاعد روسيا والصين وإيران تضمن المصالح النفطية العليا قبيل الإنسحاب العسكري من افغانستان في العام 2014 .

جاءت الإنتخابات لتقول بالفوز الساحق لأوباما والذي فاجأ الرئيس المعاد إنتخابه نفسه أن هذا التحول في النزعة الإمبراطورية نحو الواقعية لم يعد مجرد تعبير إستراتيجي محسوب لدى صناع القرار والرئاسة في واشنطن من شركات النفط والسلاح كطرف وقادة الوحدات العسكرية الكبرى وضباط الإستخبارات وديبلوماسيي الخارجية كطرف ثان واللوبيات الدينية والسياسية والكنسية والإجتماعية والثقافية وإمبراطوريات الإعلام والتواصل كطرف ثالث وليس مجرد موجة عابرة كمرحلة ما بعد فييتنام  .

الذي جرى في الإنتخابات يقول إن ثورة إجتماعية تمتد جذورها لقرن مضى  في اميركا تنتج توازنا في مقابل هذه الأطراف الثلاثة التي تمكنت تاريخيا من صناعة القرارات والرئاسات فقد إلتقى الملونون وغير البيض عموما بمن فيهم السمر والسود والصفر والحمر واللاتينيون من جهة و نقابات العاطلين عن العمل والمتقاعدين وممثلي الطبقات الوسطى من جهة ثانية ودعاة المجتمع المدني ومثقفو اليسار الإجتماعي والمثقفون اللبراليون من جهة ثالثة ليثبتوا انهم صاروا كتلة حاضرة في الميدان بقوة لتقول أن أكذوبة الحضارة الأميركية الممزوجة بالعنصرية وأحيار المشردين لم تعد قابلة للحياة وأن رخاء الأميركيين لم يعد يستقيم بإطلاق يد صناع الحروب لغزاوت جديدة يتعمم عائدها على المجتمع بعدما ثبت أنها صارت عبئا يدفع الفقراء تبعاتها موتا وكسادا فصار يتوجب لتحقيق الرخاء إنكفاء إلى داخل اميركا القادر أن يحفظ لها مكانة الدولة العظمى ويعيد ترتيب بيتها الداخلي بالأخذ من جيوب الأغنياء لتأمين فرص العمل ونفقات الطبابة وحل ازمات السكن ومعالجة حالات الإفلاس .

فوز أوباما في مكان ما هو إعلان سقوط العنصرية والتطرف الديني والغزوات العسكرية و التمييز الطبقي الفاضح  وكلها كان يرمز إليها ميت رومني .

سيحكم اوباما ولايته الثانية محكوما بثنائية صناع القرار التقليديين على ضفة والتيار الإجتماعي الذي حسم فوزه على ضفة موازية والملتقيان بصورة ما تحت سقف عدم الذهاب إلى غزوات جديدة وتصفية ميراث ما تبقى من غزوات و سيترك السياسة الخارجية للصناع التقليديين من شركات كبرى وموظفين كبار وصناع الرأي العام بمقابل إنكفاء للرئاسة نحو الداخل وفقا لمتطلبات التحول الإجتماعي الكبير الذي عبرت عنه الإنتخابات .

سوريا تشكل نقطة الوسط الحاسمة والفاصلة في الشؤون الإستراتيجية فعليها نصف حرب ونصف إنسحاب والأمر لا يحتمل المراوحة كلما إقترب موعد الإنسحاب من أفغانستان إستحقاق الخروج الكبير ، وعبرها يمكن فقط صياغة تفاهم الإستقرار مع عمالقة آسيا الثلاثة الكبار الروسي والصيني والإيراني .

سيوكل الأميركي إلى الثلاثي التركي السعودي القطري مواصلة الضغط حتى نهاية العام لترصيد الحسابات والنتائج لتكون مائدة التفاوض قد صارت جاهزة وينطلق العد التنازلي للخروج وصياغة التسوية العام 2013 و التي ستكون مساحة تنفيذها 2014 .

ما تشهده سوريا هذه الأيام ينسجم مع هذا الخط البياني على قاعدة فهم أن الأغبياء دائما يصدقون أن التصعيد هو قرار حرب وجود بينما هم يكونون على موائد التفاوض مجرد وقود وهذا هو حال المجتمعين بالدوحة يبحثون مخاوفهم من فوز اوباما في الإستراحة بين جولة وجولة من تقاسم مال حمد وسلاح أوغلو .

2012-11-08 | عدد القراءات 1825