تعالوا نتحاكم في ميدان التحرير
لولا إندلاع الثورة في مصر وسقوط مبارك لبقيت أحداث التغييرات العربية محصورة بحراك شعبي في تونس إنتهى برحيل زين العابدين وغزو أطلسي لليبيا وحرب أهلية في اليمن .
مصر هي التي أعطت المعنى لهذه التغييرات وبررت إطلاق مسمى الربيع العربي ، ومصر هي التي يمكن ان تعطي سمة هذا الربيع ، فلو فاز الأخوان المسلمون بالإنتخابات في تونس وليبيا والمغرب واليمن وهذا كله لم يحدث في الواقع إلا بصورة نسبية وملتبسة وغير راسخة و من دون فوز الأخوان بإنتخابات مصر لما كان بالمستطاع الحديث عن الإسلام السياسي كعنوان لهذا الربيع .
مع ثورة مصر وفوز الأخوان أصبحنا امام مرحلة عربية جديدة و مع وجود القيادة العليا لتنظيم الأخوان في البلاد العربية في مصر أصبحت مصر معيار ومقياس مستقبل هذه المرحلة وما تحمله وما ستحمله من متغيرات .
ولأنها مصر حيث الأشياء تاخذ مداها وحيث الحجم والمكانة والمقدرات والدور من جهة والأزمات والضغوط و التعقيدات والتحديات من جهة أخرى كان رهان مشروع الأخوان مصر وكان رهان المختلفين مع الأخوان مصر .
يستطيع النفط في ليبيا ستر عورات نظام الأخوان وتستطيع المساعدات الخليجية تشويه الثورة في تونس ويستطيع الحضور السعودي التأثير في أحداث اليمن لكن مصر شان آخر فإما ان يمتلك المشروع مشروعية إنتصاره أو يخر صريعا كثور في حلبة أسبانية .
ثلاثة مفاتيح كانت ولا تزال تقرر في الشارع العربي وفي مصر اولا .
الأول فلسطين والإستقلال والثاني العيش الكريم والثالث صدقية التغيير .
لم يمر على فوز الأخوان ستة شهور حتى إكتملت معالم إمتحانهم في العناوين الثلاثة ففي شأن الإستقلال الوطني ومحوره العلاقة بأميركا حسم الأخوان أن ليس أفضل من خيارات مبارك لمستقبل مصر بتأمين المصالح الأميركية والتموضع تحت لواء مشروعهم في المنطقة بذريعة المساعدات المالية مرة والحاجة لتوازن بوجه المد الإيراني مرات لكنهم حسموا وتموضعوا ، وفي شأن فلسطين إكتشف الأخوان ان ليس هناك أفضل من خيارات انور السادات وعمر سليمان فأعلنوا حماية كامب ديفيد وأضافوا القبول بما لم يقبله السادات فجعلوا غزة عهدة مصرية وواعلنوا ان لا سلاح يدخل إلى غزة وفعلوا ما لم يفعله عمر سليمان فهدموا الأنفاق وإلتزموا أن أمن غزة لن يزعج إسرائيل .
في العيش الكريم وعد الأخوان المصريين بلقمة العيش في الآخرة فمع برامج حكومتهم الجديدة الخطة خمسينية وليست خمسية لتعافي الإقتصاد وعلى الشعب ان يلعب لعبة جحا والملك والحمار و لتترحم الناس على زمن مبارك فيما الجنيه المصري يفقد نصف قيمته والخبز والغاز صارت قطعا نادرا والبحث برفع كل الدعم عن السلع الأساسية صارعلنيا وخصخصة ما بقي من القطاع العام يجري بلا خجل .
في صدقية التغيير طالما إكتشف الأخوان ان كل ما فعله نظام مبارك كان صحيحا وجديرا بالتقليد سواء في العلاقة بأميركا او بإسرائيل أو بلقمة العيش وتنشيط الإقتصاد فكان عليهم أن يكتشفوا سبب إنهيار نظامه فكان جوابهم بثلاثة ، الأولى أنه لم يحصل على الرضا الكافي من الأميركيين لحمايته من السقوط وها هم يفعلون والثانية أنه لم يملك في السيطرة على الدولة جرأة تنصيب ازلامه في الجيش والقضاء وها هم يفعلون والثالثة أنه لم يضع الرئاسة في مقام فرعون وها هم يفعلون حتى صارت النكتة امصرية أن المواطن سيعرف عن نفسه بدلا من مصري عربي بانه ميرسي عربي أو عبري لا فرق.
فعل الأخوان ما في جعبتهم وكلما كان المصريون يمهلون كان الأخوان يستعجلون و يقدمون مثالا جديا على أنهم لا ينتظرون فكانت الساعة وعاد ميدان التحرير .
ليس بيد احد التكهن بمستقبل النزاع المفتوح على مصراعية اليوم هناك لكن الأكيد ان نسبة كاسحة من المصريين ضاقت ذرعا بالأخوان وحكمهم والأكيد ثانيا أن التجرؤ تجاوز بشهور عقودا إستلزمها مع مبارك ليردد شعار الشعب يريد إسقاط النظام والأكيد ثالثا أن الشعب يذكر الأخوان انهم يمثلون 25% من اصوات المصريين وفقا للإنتخابات الرئاسية في الدورة الأولى وان فوزهم الرئاسي جاء لأن المصريين لا يريدون عودة النظام السابق اما وقد عاد بحلة ولحية فالميدان هو الحكم .
التحالف الجديد في الميدان قادر على صناعة مشهد سياسي جديد لمصر بأغلبية واضحة هي ال75% الذين لم يعطوا أصواتهم للأخوان .
المهم أن العبرة لمن يعرض عليهم نموذج مصر لترغيبهم بخوض التجربة وخصوصا في الأردن وسوريا فقد بات أمامهم نموذجا حيا لما يحمله ألأخوان وبات أمامهم صورة حية لما بنتظرهم وما سينتظر الأخوان .
حكم الأخوان إنتهى قبل أن يبدأ وزمانهم العربي والفلسطيني قنبلة دخانية ليس فيها إلا مشعل واحد وقد فشفش لما ربط مصير حركته التي كانت محبوبة الشعوب العربية والإسلامية فلبس قبعة الأخوان ليدفع فاتورة فشلهم .
2012-11-24 | عدد القراءات 1877