كتب ناصر قنديل - القاعدة تحتل بلاد الشام؟

 

 

 

كتب ناصر قنديل

 

القاعدة تحتل بلاد الشام؟

يجهد قادة المعارضة السورية بكل مكوناتها بما فيها مجلس اسطمبول وائتلاف الدوحة وهيئة التنسيق على التعامل مع دور جبهة النصرة في بلاد الشام العسكري في جسم المعارضة السورية بين ثلاثة نظريات :

- الأولى تقول ان الجبهة هي أصغر تفاصيل التشكيلات العسكرية في المعارضة وهي في السياسة والشعبية أقرب للصفر وان التضخيم لدورها جاء بداية من صناعة النظام لمنح المصداقية لحربه التي يقول انها تخاض ضد الإرهاب وأن الغرب تشارك مع النظام في هذا التضخيم وصولا إلى التصنيف الأميركي للجبهة على لوائح الإرهاب لتبرئة ذمته من إسهام يعين المعارضة في حربها على النظام على الطريقة الليبية يحول دونها عدم وجود مصالح بحجم موارد النفط الليبية تبرر المخاطرة ووجود تعقيدات بمثل قدرات النظام الصاروخية والحماية الروسية له والدعم الإيراني اللامحدود .

- الثانية تعترف بحجم دور الجبهة وتقول أن نموها جاء بسبب تلكؤ الغرب في دعم المعارضة عسكريا فبقيت تشكيلاتها فقيرة العتاد والخبرات مما أعطى المبادرة في الميدان لمن يملكهما وكان من الطبيعي عندما تتقدم واحدة من مكونات التنظيم العالمي للقاعدة بما لديها من قدرات وخبرات في ساحة عطشى لمن يحقق الإنجازات أن تفعل ذلك فتبهر الشباب السوريين المتحمسين وتشكل عنصر جذب سريع وواسع يحولها في أشهر إلى قوة يعتد بها تخوض المعارك الكبرى وتتصدر التشكيلات العسكرية المقاتلة ويضيفون لكن هذا لا يحله التصنيف على لوائح الإرهاب لأن أغلب المشاركين في تشكيلات النصرة لا يتبنون فكرها وبمجرد تقديم بديل لهم تابع لقيادة المعارضة ويملك القدرات العسكرية سينتقلون إليه فالقضية في نشأتها وعلاجها ترتبط بالعدم الغربي التسليحي والعربي التمويلي لتشكيلات المعارضة المسلحة .

- الثالثة تعترف بحجم متوسط للجبهة واخواتها وترى ذلك طبيعيا بسبب وجود بيئة متدينة قابلة للإستيعاب من قوى مثل القاعدة وفي مناخ مذهبي تحمل للنظام مسؤولية تنميته ترى أن الحرب في سوريا وما تسميه عنف النظام المفرط ضد الشعب قد إستقطب الجهاديين من الخارج إلى الداخل وبالتالي فالمشكلة قائمة ولا تحل بكبسة زر لكن يرى هؤلاء وعلى رأسهم جماعة هيئة التنسيق ان الإسراع بإنهاء الأزمة بحكومة إنتقالية يعطي القوى العلمانية فرصة النمو والسيطرة لأن ليس لدى هذه القوى المتطرفة ما تقدمه في الحلول السياسية والإقتصادية ووجود مقدرات الدولة بيد المعارضة السياسية وبناء مؤسساتها سيتيحان محاصرة التطرف تدريجا .

المراقبون والمتابعون للواقع السوري يعرفون أن الأمر خلاف كل ذلك ويصلون حد القول إن القاعدة ومكوناتها هي الجهة الوحيدة التي تملك خطة حرب وقدرة حرب ولها جذور حقيقية في سوريا وجاءتها اللحظة التاريخية المناسبة فهذه بلاد الشام التي كانت تحلم بالسيطرة عليها وستخوض أشرس معاركها العالمية للفوز بها مهما كلف ذلك وهي تلاعبت بالمعارضة وبالغرب وبالخليج وتركيا لبلوغ ما بلغت وتجذرت ولن تترك منجزاتها ليلعب بها الآخرون الذين لم ينتبهوا أن إلى جانبهم في الحرب على سوريا شريك مضارب يكبر وينمو ويستعد ويملك خطة وانهم يصبون الماء في طاحونته .

يستند هذا الرأي إلى مايلي :

- أن القاعدة التي تمكنت من لعب دور رئيسي في حرب العراق قد إتخذت من مواقع عديدة في سوريا نقاط إنطلاق لها منذ العام 2003 وان الشهداء السوريين الذين يقاربون الألف الذين سقطوا في العراق سقط اغلبهم تحت جناح تشكيلات القاعدة او مفرداتها وأن مدنا كدرعا وبانياس ودوما وبعض ريف خلب وإدلب التي إنطلق منها العمل ضد النظام وخصوصا العسكري منه كانت قد قدمت العشرات من شبابها في إطار تشكيلات القاعدة في العراق ويكفي مثال أبو القعقاع ومثال فتح الإسلام عام 2007 للدلالة على حجم هذه الظاهرة التي جاء فرع منها إلى لبنان وزاد معتقلوها في السجون السورية عن المئات في أنحاء كثيرة من سوريا وصلت إلى درعا ودير الزور .

- أن مرحلة ما بين 2003 و2011 التي شهدت أعلى درجات التوتر في العلاقة بين الغرب وسوريا قدمت لهذه التشكيلات فرصة ذهبية للنمو والتسلح سواء تحت نظر النظام كما تقول واشنطن بهدف إرباكها أو إشغالها أو تهديدها ، أو بسبب إنشغاله بهموم المواجهة مع الغرب وثقته بقدرته على التعامل مع هذا النمو عندما يفرغ من هذ المواجهة سواء ما يتصل منها بإنذار باول عام 2003 او بتداعيات إغتيال الحريري 2005 او حرب تموز 2006 وصولا لحرب غزة 2008 وأن الطرفين الغربي والسوري سرعان ما إنتقلا إلى التوتر العالي في المواجهة في مناخ ما سمي بالربيع العربي بينما الجاهز الوحيد للعمل بخطة وآلية هي هذه التشكيلات التي خزنت السلاح ونظمت المقاتلين وأعدت الخطط والإختراقات في بنى المؤسسات العسكرية والأمنية والإدارية .

- أن الحرب على سوريا سواء من الغرب أو العرب أو المعارضة تفتقد الجاذبية القادرة على الحشد فمموقف النظام من المقاومة وإسرائيل والإستقلال الوطني كان كافيا لجعل أي معارضة وطنية حريصة على بلدها تضع كل جهدها للحل السياسي صونا لمقدرات البلد وجيشه وحماية لتماسكه وموقعه فشعارات الحرية والديمقراطية لو كانت هي المحرك لما كان الحلفاء هم الحلفاء الذين نراهم من قطر والسعودية ولكانت هذه الشعارات سببا لمعالجة باردة وهادئة فيها المهادنة والحوارات والوساطات ولكان شعار إسقاط النظام مفردة غير واردة في المواجهة التي كان سقفها سيبقى الإصلاح السلمي التفاوضي المتدرج كما يقول علم السياسة ولذلك فخلف هذه الشعارات العلنية الباهتة في قدرتها على الجذب لحرب كسر عظم كان المطلوب شيئ آخر يقدم في السر فكانت التعبئة للمواجهة تتم بالتحريض المذهبي وهذا يكفي لتصفية حضور القوى العلمانية في المعارضة وتحويلها لديكورات شكلية كما يكفي لحصر المواجهة في بيئة إجتماعية طائفية وإستنفار البيئات الأخرى وراء النظام وفي هذا المناخ يتقدم فكر القاعدة الجاهز بفتاويه التكفيرية والقائمة على العنف والجاهزة له فتصبح له الساحة .

- أن القاعدة بعد حربيها الفاشلتين فيى العراق وأفغانستان حيث بات واضحا أن البيئة القومية غير العربية ولدت الفرصة لطالبان في افغانستان والبيئة المذهبية في العراق تفعل الشيئ نفسه  قد قررت أن مستقبلها الوجودي يتوقف على الإمساك ببلاد الشام ووظفت مكانتها في العراق وأفغانستان للتعبئة لهذه الحرب وإستخدمت أسباب دول الخليج وتركيا واوروبا لتسهيل فتح البواب لها فعقدت الصفقات مع الحكومات التي تولاها رئيس حكومة قطر وومحمد بن زايد في الإمارات ومضمونها ننقل تنظيماتنا من بلادكم ونخوض حربكم في سوريا فقط سهلوا لنا الإنتقال والبعض يرى ان واشنطن كانت شريكا في جزء من هذه التوافقات عندما فتحت تحت نظرها مكاتب التطوع في ليبيا وتونس وهولندا وبريطانيا وجاء المجاهدون وهي ترى بام العين كل ذلك وعقد بندر بن سلطان صفقات نقل قاعدة اليمن ومحمد بن نايف يجند معتقلي القاعدة في السجون بل عندما عقد الأخوان المسلمون في مصر صفقة التقاسم مع الظواهري بترك مصر لهم مقابل دعمه في بلاد الشام والسؤال الأهم أليست تصفية بن لادن نفسه لشطب المستقبل الخليجي للقاعدة تمهيدا لمصالحتها مع أخوان مصر وكيف تتم المصالحة بغير قسمة الشمال للقاعدة وفي قلبه سوريا والجنوب للأخوان وفي قلبه مصر .

في قلب هذه الحرب يبدو السؤال حول ما تريده واشنطن حاسما فقد بات واضحا اليوم أن السير بدعم إئتلاف الدوحة عسكريا وماليا وسياسيا سيعني دعم القاعدة وتقديم التغطية لحربها وصولا لبناء إماراتها المتفرقة في أنحاء من سوريا والعراق ولبنان والأردن لأن النصر مستحيل على كامل الجغرافيا الطبيعية لبلاد الشام وهذا يعني تقسيم هذه البلاد طائفيا ومذهبيا وصولا إلى تركيا والسعودية ؟

السؤال هو بعيدا عن لعبة السياسة الشكلية أي القرارين يعبر عن الإستراتيجية الأميركية للمنطقة : تصنيف جبهة النصرة وما يرتبه من إلزام تشكيلات المعارضة وداعميها بقطع كل صلة بها وتضييق الخناق عليها ؟ وهذا يعني تقريب ساعة مصالحة وطنية سورية بين المعارضة والنظام لتتوفر شروط إضعاف التطرف وحصار آلاف الجهاديين المسلحين والمدربين وتصفية وجودهم بجهد قد يستغرق أشهرا وسنوات إذا إتحدت كل القوى بوجهه ؟ أم قرار دعم إئتلاف الدوحة وإبراء الذمة بقرار التصنيف للنصرة والسير بمشروع تفجير وحدة كيانات بلاد الشام وصولا لسائر كيانات المنطقة وهم يعرفون أن لا النظام سيسقط ولا المعارضة ستنتصر رغم كل الفجور الإعلامي ؟

سؤال أخير لحسن عبد العظيم ورفاقه ماذا جنى من ضبط ساعته على توقيت باقي فصائل المعارضة ينتظرهم ليشارك في الحوار ؟ ويبرر لهم وينطق بخطابهم وها هي واشنطن والدوحة اللتان سايرهما على حساب موسكو ما فيه الكفاية يرميانه على قارعة الإنتظار ؟ وتقف موسكو وحدها تقول ثمة آخرين يمثلون شيئا في المعارضة لا يجوز تهميشهم ؟

ليس بالمال وحده تحيا المعارضة يا تنسيق .

2012-12-13 | عدد القراءات 1955