كتب ناصر قنديل - الشرع مجددا

 

كتب ناصر قنديل - الشرع مجددا

 

العودة للحوار الذي قرأناه قبل يومين مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لأن البعض إختلط عليه ما قلناه في ما قاله الشرع كمناقشة لمدى صحة الكلام وصواب بعضه وبين مناقشة صدور هذا الكلام عن الشرع نفسه كمسؤول كبير في الدولة السورية لا يزال على رأس مسؤوليته الرسمية .

مناقشة المضمون بمعزل عن صاحب الكلام تستدعي أن نتخيل أن روبرت فيسك كتب مقالا تضمن الأفكار نفسها أو لو تخيلنا ميشيل كيلو يقولها مثلا أو مقالة لابراهيم الامين الذي حاور الشرع .

بالمناسبة في ذات يوم نشر حوار الشرع كان المعارض هيثم مناع يقول أن الشعب السوري يقف وراء الجيش الذي كان يطعنه الشرع في معنوياته وفي ظهره ويضيف مناع لأن مواجهة الإرهاب صون للوحدة الوطنية في سوريا .

لو تخيلنا كاتبا يقول ما قاله الشرع عن الطريق المسدود للحل العسكري او عن الحاجة لتسوية تاريخية تشترك فيها الدول الكبرى ودول اقليمية والدولة السورية ومعارضيها وهاتين هما الفكرتين الأبرز في حوار الشرع لقلنا في الكلام كثير من المنطق لمحلل سياسي لكن عندما يصدر الكلام عن سياسي سنتوقف عند هوية السياسي فهذا الكلام عن لافروف مهم جدا وعن اوباما يصير انتصار لسوريا وعن حمد هزيمة لحربه وعن اوغلو واردوغان اعلان  صفارة النهاية للحرب لكن عن الشرع ؟

لكن لو استبقنا ذلك بمناقشة القول أن مسؤولية ضياع فرصة الحوار تقع على الدولة والمعارضة معا سنجيب أننا نعلم أن الدولة السورية تعبيرا عن جديتها بالحوار كلفت نائب رئيس الجمهورية بفتح قنوات اتصال مع قيادات المعارضة ومن ثم رعاية اللقاء التشاروي للحوار وأن المعارضة الداخلية هربت من التجاوب الجدي بذريعة وقف العنف والسبب ضعفها أمام المعارضة الخارجية التي رفضت المشاركة بشروط و شعارات تغلق باب الحوار مثل لا حوار الا برحيل الرئيس و بالتالي لوصفنا تحميل الدولة مسؤولية ضياع فرص الحوارضعف في المعلومات أو تزوير للوقائع او ظلم في السياسة أما عندما يخرج نائب الرئيس الذي كان الطرف المباشر في كل ذلك ويصدر هذا الحكم فسنقول حكما أنه تزوير وظلم معا فلماذا اذن والجواب عن لماذا يصير اهم واخطر من كل مناقشة الفكرة نفسها.

ولو إستبقنا القول بمناقشة كلام الشرع عن عدم صدقية الدولة في التحقيقات بالتجاوزات والإساءات والأخطاء الأمنية وتحميله الرئيس الأسد بصورة مباشرة في حالات وغير مباشرة في حالات أخرى مسؤولية فشل المسعى السياسي أو مسؤولية عدم السير بتحقيقات جدية في التجاوزات وكان هذا الكلام في لقاء مغلق للقيادة السورية مزودا بوقائع تفصيلية تستدعي المعالجة كمثل وجود شريك جدي في الحوار من طرف المعارضة وقادر لكن بعض الأجهزة تعطل تجاوبه أو كمثل حالات لمعارضين او مواطنين تعرضوا لتجازوات تستدعي جدية التحقيق لقلنا ان الشرع يقوم بواجبه كنائب للرئيس في ضمان ترجمة توجيهات الرئيس أما عندما يقول ذلك علنا أي يحوله إلى سياسية فذلك يعني أنه من جهة يعلن عدم الثقة بالقدرة على التعاون مع الرئيس ومنصبه التنفيذي كنائب للرئيس يصير عبئا عليه فنفهم هذا الكلام في كتاب استقالة وليس في حوار والتمسك بالصفة القيادية في حزب ودولة يفقد الثقة بجديتهما يصير مستغربا وكلامه يعني ثانيا انه نيل من معنويات الجبهة التي ينتمي اليها ومن موقع القيادة وضرب لها من الداخل ويعني ثالثا تقديم أوراق اعتماد لدور يستدعي هذا الطعن ليملك مصداقية عند الغير ويستدعي الحفاظ على الصفة ليملك الدور فرصة .

عندما يكون جيش اي دولة في حالة حرب ويقال فيه ما قاله الشرع من اي موقع مسؤول في هذه الدولة عن تجاوزات وعن ميل للحل العسكري وترتيب دمار وخراب ودماء يساويه عبرها بالمجموعات الإرهابية التي تقتل وتدمر ويقول أن لا قدرة للجيش على الحسم ولو كان الكلام صحيحا يعامل صاحبة كمشترك في جرم الخيانة فكيف اذا كان اغلبه غير صحيح ؟

يبقى الحيث عن التسوية التاريخية التي يقترحها الشرع ويشرك فيها الدول الكبرى ودول اقليمية فما هي طبيعة هذه التسوية وما هي مواضيعها ؟

من هي الدول الاقليمية؟

هل إسرائيل منها؟

في العمق هل يربط الحل للأزمة السورية بحل مع اسرائيل للقضية الفلسطينية ؟

واضخ عندما نقول تسوية ونضيف تاريخية واقليمية دولية ان ذلك يعني ضمنا وبصورة رئيسية اميركا ويعني اقليميا تركيا والخليج وهل يمكن الحديث عن تسوية تاريخية مع اميركا وما يسميه الشرع فتح الباب لتسوية الكثير من القضايا الاقليمية المفتوحة على صراع طويل غير القضية الفلسطينية ؟

هنا يحضر سؤال

هل لدى الشرع اي اشتباه في ان اضعاف سوريا بما يجري كان في جزء كبير منه تعبيرا عن مشروع خارجي يلاقي تعقيدا داخليا وان هذا البعد الخارجي يرتبط بحلف تقوده واشنطن يريد توظيف واستخدام اضعاف سوريا لانضاجها لتسوية تاريخية خارج ثوابتها التي يذكرها الشرع في كل مواقفه ما قبل الحوار ؟

يعني على طريقة انضاج حماس في مطبخ الاخوان المسلمين ؟

هل التسوية هنا يريدها الشرع بثوابته ام خارجها ؟

اذا كانت بثوابته فكيف يتوقع الشيئ وضده اي ان تكون سوريا بحاجة للتسوية وتحقق عبر ضعفها انتصارات على الغير ؟ الطبيعي ان قبول الاميركي بالتسوية يجب ان يترافق مع تسليم سوري بقبول ما لم يكن مقبولا فموازين القوى والحاجات هي التي تصنع السقوف السياسية للحلول والمضمون هنا هو :

تشتري سوريا وقف الحرب عليها ورعاية التسوية الداخلية واشراكها بالتسوية الاقليمية ببيع ثوابتها .

ليقل الشرع هذا علنا فيريح ويتسريح .

اذن مقترح الشرع هو تعلن سوريا ان الحرب عليها حققت اهدافها وهي جاهزة للتسليم بتقديم صيغة ترضي الحلف الدولي الاقليمي بتمكين جماعاته المحاربة ضد سوريا من مؤسسات القرار بالصلاحيات الواسعة لحكومة وحدة وطنية يقترحها ليس فيها شيئ من الوحدة الوطنية الا الاسم لان طرفها الاخر هو عنوان سياسي لحالة ميدانية اسمها تنظيم القاعدة لم يحظى بجزء بسيط من حوار الشرع بينما هو محور تعليقات الدنيا في شان سوريا شرقا ورغبا ومقترح الشرع بعد التسليم لهذا الحلف بنصره في الداخل الاعتراف له بما يحقق المشروع التاريخي لتسوية تاريخية تمنح اسرائيل ما تريد .

بمستطاع الشرع ان يقول ما يريد وان يعلن استسلامه للحرب او تطلعه لمواقع في التسوية التاريخية لكن من اللياقات ان ينسحب من حيث هو .

2012-12-20 | عدد القراءات 2174