كتب ناصر قنديل
حرب أهلية في سوريا ؟
منذ أشهر وثمة إدمان لغوي لدى الكثير من الجهات الدولية على إستخدام مصطلح الحرب الأهلية في مقاربة الوضع في سوريا وإصرار على زج هذا المصطلح إما تحذيرا او وصفا فمامدى واقعية هذا المصطلح ؟
يشترك في هذا بداية أعداء الخيارات التي تمثلها سوريا مع اصدقائها وبعضهم قريب من الواقع السوري فتلتقي كلمات الأمم المتحدة مع واشنطن وموسكو وطهران .
في البداية لا بد من الإقرار بان الحروب كل الحروب قذرة ومليئة بالسلوكيات المتشابهة على كل ضفاف جبهاتها والقوى التي تتورط فيها وما يجري في سوريا حرب ففي هذه الحرب جزء مما يجري في كل حرب .
في كل الحروب مافيات خطف تتبادل المصالح والأسلوب والفدية على طرفي المواجهة وفيها تجار الخبز والغاز والمازوت والتعاون بين مجموعات المغانم المتاحين دائما على الجبهتين المتقاتلتين كما فيها المتطرفين والعنصريين الذي لا يعود لعقلهم قدرة إستيعاب للحدث خارج أبعاد كونه تصفية متبادلة بين طائفتين أو عرقين أو قوميتين وفيها من لا يميز هنا أو هناك الضرر و الأذى الذي يترتب على أفعاله الحربية على الناس العاديين الطبيعيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل مع خصمه ويصير جرمهم وجودهم الجغرافي في منطقة يسيطر عليها هذا الخصم او إنتماؤهم لمنطقة يكثر فيها مناصروه أو لطائفة أو لعرق يشبهه .
في كل الحروب أيضا متفلسفون عن المواعيد القريبة وهم لا يعلمون شيئا حقيقيا عنها ورواة للسيناريوات الإفتراضية وأصحاب نظريات الوضع تحت السيطرة أو الحالمين بكونهم قادة من طراز مختلف يملكون عبقريات إستثنائية ولولا وجودهم لهزمت جبهتهم وهم فيما يمتدحون نظريا الموقع الذي يقيمون فيه يكيلون له كل أشكال الهجاء بإدعاء بطولاتهم والقول لو لم تستدرك أناملهم الذكية والرشيقة الأخطاء المدمرة لوقعت الكوارث ، وأدعياء البطولات موجودون و المتنفعون الصغار وحملة أختام تسهيل المرور موجودون ، وهذا يكفي للقول ان في سوريا من هذه الظواهر حال كل الحروب كي لا يفطن احد لواحدة من هذه المظاهرللقول بها سببا لإعتبار ما يجري في سوريا حربا أهلية .
هي حرب بالتأكيد كما هي كل الحروب وفيها من أمراض كل الحروب .
المهم على المحلل النزيه والعاقل أن لا ينفعل بظاهرة وأن لا ينكرها بالمقابل وان يسعى لإستكشاف على اي جبهة تكون ظواهر الحرب مجرد تفش لأمراض متوقعة وأين تتحول لتصير سياسة معبرة عن طبيعة الجهة التي تشكل طرف الحرب ؟
في ضفة الدولة السورية لا يزال الجيش والأجهزة الأمنية محور جبهة القتال ومعهما في اماكن مختلفة تظهر اللجان الشعبية التي قدم شبابها كثير من التضحيات ونسبت لبعضها الكثير من التجاوزات وكل ما يمكن إيراده هنا من ظواهر مرضية لا يتعدى كونه رغم خطورته أنه تعبير عن نتائج الإنقطاعات التي ترتبها الحرب في منظومات السيطرة من جهة وعن تحكم بعض العصبيات في ردود الأفعال من جهة اخرى في مواقع معينة وعن إستغلال بعض أصحاب المواقع للأزمات لصناعة الثروات لكنه بعدكل ذلك بالتأكيد ليس سياسة .
نثبت ذلك ببساطة رغم كثرة كذب كل مواقع وقادة المعارضة عن تحميل الدولة مسؤولية الظواهر الطائفية في الحرب ليس بتبرئة الدولة من نقاط ضعف كانت تعبر عنها سياسات المحسوبية التي تشتغل أحيانا على العصب الطائفي بل لأن الحرب التي تخوضها الدولة في حمص وحماة ودمشق وحلب هي حرب الحفاظ على وحدة الجغرافيا السورية وتعبير عن قرار مكلف بمنع تمدد المعارضة المسلحة إليها والكلفة هنا ليست عسكرية فقط بل مالية في ظل ضغوط هائلة تتعرض لها خزينة الدولة يخفف منها قرار بمنع الكهرباء والمحروقات والطحين وكلها سلع مدعومة من الدولة عن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة ، وترفض الدولة مجرد التفكير فيه ، فتبقى هذه المعارضة تأكل بجريرة الشعب الذي تحرص عليه الدولة وعلى مسؤوليتها عنه من خبز الدولة و لا تجرؤ على شراء الطحين وتغطية فرق السعر عن الطحين المدعوم وتامينه عندها لمناطق سيطرتها ، حتى قرب الحدود التركية ، لا بل تسحب كميات الطحين والمازوت المخصصة لهذه المناطق وتبيعه لتركيا حيث التجارة حرة وسعر هذه المواد عشرة أضعاف اسعارها في سوريا بسبب دعم الدولة السورية لها من جهة والضرائب العالية التي تفرضها عليها الدولة التركية من جهة مقابلة ، فحلب وادلب وريفهما حيث عشرة ملايين سوري معاناة مستمرة من نقص هذه المواد لهذا السبب بالتحديد ، حيث شبكات المعارضة بدلا من ان تجلب النقص وتعوض فرق السعر عن المواطنين تعمل بالعكس تستولي على حصة المواطنين المدعومة وتبيعها بفارق سعر كبير يجلب ارباحا طائلة حتى صارت فاتورة الدعم ثلاثة أضعاف على الدولة السورية بسبب إستهلاك كميات اكثر ثلاث مرات من الظروف العادية .
الواضح هو ان الدولة السورية تخوض بكل ما لديها من قوة حرب الجغرافيا السورية كلها وتدفع كلفة هذا القرار أضعافا مضاعفة والواضح أن البنية العسكرية للدولة لا تزال معافاة في تكوينها وصلابتها وتماسكها وهي بنية متعددة طائفيا ومناطقيا لا بل حيث يسهل الحكم وتسهل المشاهدة يمكن رؤية مشهد إنتصار المنتخب السوري في دوري غرب آسيا كمشهد معبر عن شرائح الشعب المساندة لخيار الدولة ومشهد السفراء وضحالة الإنشقاقات رغم الترغيب والترهيب ورؤية مشهد التظاهرات المنددة بالمسلحين في كثير من مناطق سيطرتهم لا بل الأهم حجم تمسك حلب وأهلها برئيسهم ودولتهم وجيشهم وهم يذوقون المرارات من ويلات الحرب .
الذي يعمل منهجيا لحرب اهلية هو المعارضة التي تكذب صبحا ومساءا لنسبة هذه التهمة للدولة والدليل أيضا بسيط وهو أن كل متابع للأزمة السورية كان يعلم منذ البداية أن القوة السياسية الوازنة في مجالس المعارضة وشارعها وتشكيلاتها المنظمة هي للأخوان المسلمين والذين بات ممكنا بعد صدور نسختهم المصرية عن الدستور، الذي يقولون أنه مشروعهم لدولة مدنية، الحكم على مضمونه الحقيقي بلا تحامل ، وهو دستور يضع المرجعية للشريعة الإسلامية وفقا لتفسير مذهب محدد هو السلفية التي تكفر كثير من مذاهب المسلمين من السنة الصوفية وصولا للشيعة والعلويين والدروز إضافة لتكفير المسيحيين .
من يتابع يرى ايضا أن الصوت القوى كان في بداية الأزمة لعدنان العرعور في القنوات التي تحرك شارع المعارضة وكان الخطاب المذهبي التحريضي على الإجرام والقتل والذبح الحلال والسبي وإبادة النسل .
ومنذ المواجهات المسلحة ورغم كذب المعارضة كلها عن الإنشقاقات العسكرية وإدعاء كذبة الجيش الحر صار واضحا بإعتراف قادة من هذه المعارضة أن جبهة النصرة منذ اليوم الأول هي من يقف وراء أغلب الأعمال العسكرية والإعتراف مؤخرا انها ليست الجزء الأنشط فقط بل الجزء الأوسع إنتشارا .
مكونات المعارضة الثلاثة المذكورة لا يمكن إلا أن تكون مشروع حرب اهلية ومكون رابع مهمته الكذب لنفي ذلك والدفاع عن الأخوان والعرعور والنصرة وتسميتها بقوى ثورة ستتخلص من كل الظواهر المرضية عندما تنتصر طبعا كما تخلصت أفغانستان الطلبان من هذه الظواهر بان اصبحت سلوكياتها نظاما عاما .
والواقع يقول انه رغم معرفة كل داعمي المعارضة بهذه الحقائق فما يريدونه من سوريا يجعلهم يتغاضون عنها ويدعمون بلا طائل هذه المكونات وهم يعرفون أنها لا يمكن ان تأخذ سوريا إلا إلى الحرب الأهلية ويصح هذا بحكام الخليج ومصر كما يصح بكل مكونات حلف الأطلسي المغروم بالأخوان والقاعدة بضمانة تركية قطرية بات واضحا أنها أفضل وصفة للإنتحار .
ليس في سوريا حرب اهلية لأن في سوريا دولة تضع كل ثقلها لمنع وقوع هذه الحرب ولأن في سوريا جسم شعبي متعدد طائفيا من حلب إلى دمشق والساحل وسائر المحافظات يقف وراء الدولة ورئيسها رغم الكثير من الملاحظات التي تطال الآداء لمفاصل عديدة في هذه الدولة ولأن في سوريا جيش صلب متامسك عابر للطوائف والمناطق يقاتل دفاعا عن قيم وسيادة وقرار لا صلة لها بالحسابات الأهلية والطائفية .
في سوريا خطر حرب اهلية لأن هناك مشروع دولي تنفذه قوى طائفية لضرب سوريا وإستنزافها وإضعاف قدرتها على مواصلة مواجهة هذا المشروع وعندما تضعف الدولة وقدرتها لن يكون هذا المشروع إلا الحرب الأهلية .
لن تكون الحرب الأهلية لان قوى هذا المشروع أعجز من ان تنجح في إضعاف قدرة الدولة على الصمود والمواجهة رغم المواعيد الكثيرة لمعركة حلب الكبرى ودمشق الكبرى ولأن الحسابات الخارجية المحكومة بموعد الإنسحاب الأميركي من افغانستان تعيش تحت ضغط الوقت ولأن الفرق كبير بين إبتزاز الدولة التي ترفض الحرب الأهلية بتخويفها منها وبين إستسهال صانع القرار في هذه الحرب بالذهاب فعليا إليها وهو يعلم ان حلفاءه سيأكلون خبزا من ذات المعجن فلا السعودية ولا تركيا ستنجوان و ظواهر القلق من الإرهاب والتطرف بدأت تفعل فعلها والأهم لأن حلفاء سوريا مدركون كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تقسيم سوريا بداية لحروب تقسيم لن ينجو أحد منها .
تدنو ساعة ستظهر فيها وقائع وتطورات تقلب الكثير من الحسابات لأن المفاجآت الدولية لا تنبئ الصغار بمواعيدها .
2012-12-21 | عدد القراءات 1777