كتب ناصر قنديل :
رسالة إلى حمدين صباحي
الملخص
ذاق العرب حلاوة نهوض مصر مع عبد الناصر ومرارة سقوطها مع السادات ، وعرفوا معنى حضور مصر ومعنى غيابها .
لذلك كانت عين الغرب على مصر وكانت الصفقة مع الأخوان
تعثر الأخوان في تسليم ما تعهدوه في سوريا لقاء تسلمهم مصر ونجحوا بتسليم الشق المتصل بامن إسرائيل بكفاءة عالية بجناحيهما المصري والفلسطيني
تصرف الأخوان مع قوة الدعم الغربي كرصيد سريع يجب صرفه قبل أن يتآكل لشرعنة إستيلائهم على السلطة
لا موقف وطني مشرف ولا حياة سياسية تشاركية ولاإنجازات إقتصادية ، وعسف ورعونة في الإدارة والتعامل مع الغير فكان الشارع هو الحكم
حكم مصر بتأييد 18% بغياب معارضة بالمعنى الحقيقي
لا البرادعي ولا عمرو موسى ولا بالتاكيد احمد شفيق يمكن ان يحملوا راية المصريين
التطلع نحو التيار القومي وحمدين صباحي أول من تقع عليه هذه المسؤولية والمطلوب إدراك أن :
- معركة الأخوان واحدة في المنطقة العربية كلها و خصوصا في سوريا ومصر
- الموقف من كامب ديفيد وفلطسين وخيار المقاومة سيبقى الأساس لزعامة بقامة جمال
عزيزي وصديقي الأستاذ حمدين صباحي بكل المحبة هذه رسالتي إليك.
النص الكامل
السؤال عن مصر دائم في كل مراحل التاريخ العربي ، فما يجري في أكير بلد عربي له تداعيات لا مفر منها سلبا وإيجابا على سائر العرب ، وقد ذاق العرب حلاوة نهوض مصر مع عبد الناصر ومرارة سقوطها مع السادات ، وعرفوا معنى حضور مصر ومعنى غيابها .
عندما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل المفكر العربي المحترم ، إن حال مصر اليوم يشبه سيارة تسير بأعلى سرعتها في منحدر شديد القسوة ، ويقودها سائق غير متمرس و ليس فيها فرامل ، ولا يملك ركابها إلا إغماض أعينهم وقراءة الفاتحة و وقول كلمة رب يستر ، فهذا يكفي لمعرفة خطورة ما ينتظر مصر وعبرها العرب .
الأكيد بالمنظور البعيد المدى للمنطقة أن عين الخارج تكون كثيرا على مصر في مقاربة الكثير من أحداث المنطقة ، والأكيد أنه عندما جرت صفقة الأخوان مع الغرب لقيادة وتولي إدارة الربيع العربي كانت عين الغرب على مصر كقاعدة صالحة لهذه المهمة ، وصلة ذلك بحسم الحرب على سوريا من جهة ، وإنهاء علاقة حركة حماس بخيار المقاومة من جهة اخرى .
بدا الغرب وعلى رأسه واشنطن مستعجلا من جهة ، وغير معني بضمان نجاح تجربة الأخوان من جهة مقابلة ، عندما عامل تسلمهم او تسليمهم السلطة وفقا لمعادلة المافيا تسليم وتسلم ، فتعثر الأخوان في تسليم ما تعهدوه في سوريا لقاء تسلمهم مصر ، تبعه فورا إختبار نجح فيه الأخوان بتسليم الشق المتصل بامن إسرائيل بكفاءة عالية بجناحيهما المصري والفلسطيني، والواضح بعدما اعطى الأخوان كل ما عندهم ، ان تجربتهم في الحكم باتت نجاحا وفشلا مشكلتهم وحدهم ، في لحظة تبدو القدرات المالية والإقتصادية بالأصل محدودة على المستويين الإقليمي والدولي ، في بحر أزمات يهدد بإغراق دول يتقدم إنقاذها كأولوية على مصر ، ومصر في أيام الوفرة مأزومة لقلة الموارد وكثرة السكان فكيف في زمن الأزمات ؟
في مثل هذه الحالات كان يجلب الإستقرار لمصر شيئان ، توافقات وطنية عريضة تقوم على التشارك الواسع لمواجهة المخاطر والأزمات والتكاشف ان أحدا لن يفوز إذا ما ذهبت مصر إلى لعبة الموالاة والمعارضة في الشارع ، وإلى جانب ذلك موقف سياسي معتدل وعقلاني تجاه المعادلات الإقليمية ، وفي الظرف الراهن كان يعني ذلك مبادرة الأخوان لمؤتمر وطني جامع يخرج بتوافقات عنوانها دراسة طويلة معمقة وتوافقية لدستور البلاد الجديد ، وحكومة إئتلاف وطني تمثل جميع التيارات ، والتهيئة لإنتخابات هادئة لبرلمان منتخب يعيد تشكيل المشهد السياسي ، ومع هذه الخطوات خارجيا سياسة متوازنة عربيا ومدروسة ، بإعلان الوساطة في الأزمة السورية لوقف الخيار العسكري واللجوء للحل السياسي ، ورعاية المصالحة الفلسطينية ، وتشكيل لجنة حكماء عرب ومصريين وفلسطينيين لدراسة إتفاقية كامب ديفيد وتقديم المقترحات بكيفية التعامل معها ، وفي حال إستحقاق غزة الذهاب في إدارته على قاعدة مصر المعنية بفلسطين وليس بمصر المتعهدة لغزة ، وإبتزاز الغرب وجماعته من عرب الخليج خصوصا للحد الأقصى للحصول على أعلى المكتسبات .
لم يحدث كل ذلك بل حدث عكسه تماما ، تصرف الأخوان مع قوة الدعم الغربي كرصيد سريع يجب صرفه قبل أن يتآكل ، لشرعنة إستيلائهم على السلطة وبناء ديكتاتورية دستورية ، تسمح لهم بالبقاء في الحكم ، فإنفجرت مصر بوجههم .
لا موقف وطني مشرف ولا حياة سياسية تشاركية ولاإنجازات إقتصادية ، وعسف ورعونة في الإدارة والتعامل مع الغير فكان الشارع هو الحكم .
ليست المسألة أن يفوز الأخوان ، المنظمون جيدا والحزب الحقيقي الوحيد في مصر وأصحاب 30 الأف لجنة مسجد ونصف مليون عامل في الماكينات الإنتخابية المنتظمة ، بالإستفتاء على الدستور بنسبة 60% في ظل مشاركة 30% من الناخبين ، يعني أن يحصلوا على تأيدد علني من 18% من المصريين ومعارضة شرسة من 12% ، وإعلان إشمئزاز وقرف من السياسة للأغلبية المصرية التي تعادل بظروف قبل سنة ضعف المؤيدين .
يبدأ الأخوان حكم مصر بتأييد 18% من المصريين ، هذه هي المسألة وبجرح طائفي نازف عنوانه خروج المسيحيين من مؤسسات الدولة ، وبتفكك هذه المؤسسات بسوء العلاقة مع الجيش والقضاء ، وبصدام سياسي كبير عنوانه نزول الأحزاب والنخب والشباب للشارع ووقوف القاهرة بملايينها العشرين خارج لعبتهم وشرعيتهم وهم في الأشهر الستة الأولى .
يحدث هذا بغياب معارضة بالمعنى الحقيقي ، فقد تشكلت كل الأجسام السياسية المعارضة من حواضر البيت المصري ، لمواجهة إستحقاقات داهمة ، سواء كان الامر يتعلق بثورة يناير او بمعارضة حكم الأخوان .
لا البرادعي ولا عمرو موسى ولا بالتاكيد احمد شفيق يمكن ان يشكلوا الجسم القادر على حمل راية مشروع جذري لمواجهة مشاكل المصريين ، بخطاب وطني إستقلالي عن الغرب وخطاب عربي مرتبط بفلسطين وخارج الإستخدام في مشروع الشرق الأوسط الجديد ، وبرنامج إقتصادي يرد الإعتبار لمفهوم دولة الرعاية والإنتاج .
حتى الكنيسة والقيادات النقابية وحزب الوفد وسواه من أحزاب التاريخ المصري كشركاء ضروريين في أي عملية معارضة ، ليسوا مطالبين بإمتلاك أكثر من مزاج معارض وأسباب ثابتة للمعارضة ، لكن البرنامج الشامل والقيادة الواضحة مطلوبة من غيرهم .
هذا الغير هو التيار القومي العربي وخصوصا الناصري وحلفائه في اليسار وتشكيلات شباب الثورة الوليدة من الميدان .
هذه التشكيلة لا يمكن محاسبتها على نتائج معركة بحجم معركة مصر ، وهي لم تكن جاهزة لأكثر من حرية تظاهر وتجمع وكتابة رأي لبناء تشكيلاتها وتنمية قدراتها ، ليتنسى لها في عقد هادئ سياسيا حضور يمكنها من خوض المعارك الكبرى ، وإذ تضعها الأحداث على قمة اللعبة وتحت أضواء المعارك المصيرية ، لتشكل نفسها وتقود شارعها بوقت واحد .
لكل ذلك ما انجزته هذه القوى في سنة هو قياسي بالقياس لما هي عليه وما كانت عليه وما صارت عليه .
من الآن وصاعدا تغيرت الصورة وسيستقر المشهد على المعركة المفتوحة والطويلة الأمد وكيفية قيادتها في ثلاث سنوات قادمة من ولاية ميرسي الرئاسية .
وحدة قوى هذا التيار ضرورة قصوى ، ومعالجة اسباب التفكك فوق الشخصنة والمراهقة السياسية والطموحات الفئوية هي الأولوية ، وفي قلب جبهة الإنقاذ يجب أن نشهد ولادة نواة لحزب التغيير بصيغة تلم شمل قواه المبعثرة وتبلور برنامجه الشامل تنظيميا وشعبيا وسياسيا وإقتصاديا .
حمدين صباحي أول من تقع عليه هذه المسؤولية وقد تبلورت ضرورته القيادية مما تحقق في المعركة الرئاسية ، لكن لم يعد كافيا النجاح في المعارك التكتيكية بل تثمير نجاحاتها لبناء شيئ قادر على الحياة والصمود ومستند إلى أسس ثابتة .
ماكينة المعركة الرئاسية لحمدين التي ضمت نخبا وازنة وشخصيات مؤثرة كانت إنجازا و تصلح كاساس للبناء لنواة حزب التغيير لكن مسالتين على الطاولة في الخطاب العربي :
- إدراك أن معركة الأخوان واحدة في المنطقة العربية كلها و خصوصا في سوريا ومصر فلا يمكن مقارعة حكم الأخوان في مصر وتسمية حربهم لتدمير سوريا بالثورة ، تحت شعار ان المزاج لا يتقبل الحقائق ، أو أن ثمة مآخذ هنا أو هنالك على إدارة سوريا لحربها مع الأخوان ، أو أن الناس متاثرة بالحرب الإعلامية ولا يمكننا مفاجأتها بموقف يستغله الأخوان ضدنا ، فاللعبة ليس لعبة أصوات بل لعبة وضوح و تحديد للخارطة ، وأول الإختبارات هي مبادرة للوساطة لوقف العنف ، سيكتشف أصحابها المصريون أن أول من يقف بوجهها هم رموز المعارضة السورية التي يرونها ثورة ، لذلك من المهم جدا أن يدرك شباب الثورة في مصر أن سقوط سوريا بيد مشروع الأخوان سيكون الضربة القاضية لحراكهم المعارض في مصر والعكس صحيح .
- إدراك أن الموقف من كامب ديفيد وفلطسين وخيار المقاومة مهما بدا قاسيا على الجمهور العادي في البداية لكنه نقطة التميز التي صنعت زعامة جمال عبد الناصر والتي بدونها سيكون المعارضون في مصر مجرد طلاب سلطة لا يرون في الشارع أكثر من كتلة ستبرد كلما مر الوقت على الإستحقاقات الإنتخابية .
عزيزي وصديقي الأستاذ حمدين صباحي بكل المحبة هذه رسالتي إليك ولدور تاريخي ينتظرك وينتظر رفاقك واخوتك في ساحات النضال .
ناصر قنديل - 23-12-2012
nasserkandil@hotmail.com
2012-12-23 | عدد القراءات 1857