كتب ناصر قنديل - ماذا يحمل الإبراهيمي

 

 

 

 

 

 

 

كتب ناصر قنديل:                                      

ماذا يحمل الإبراهيمي ؟

 

الملخص :

 

يعود الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق وقد شهدنا تمسكا علنيا بالتسليح  وتصعيدا عسكريا بين زيارته السابقة و الحالية ومواعيد لحسم الصراع بالقوة من معركة حلب الثانية إلى حرب دمشق الفاصلة .

فشل الضغط العسكري وفشل التهويل والضغط الإعلامي والسياسي و في سوريا جواب واحد عنوانه إلتزام متزامن بالخروج من الحل العسكري دوليا وإقليميا وترجمة ذلك عمليا بإخضاع الحدود والفضائيات للرقابة وعندها يكون الحوار الوطني متاحا بلا فيتو على احد وبلا شروط مسبقة.

قانون الإنتخابات وكيفيتها هي مواضيع الحوار ومن معه الشعب يفعل بأصواته ما يريد ولا يخشى الإحتكام إليه .

 مدخل وقف العنف إعتماد تصنيف جبهة النصرة كتنظيم إرهابي يعزله ويقاتله الجميع .

واضح أن واشنطن تحتاج بعض الوقت لتصير جاهزة وكلهم يشتغلون على توقيتها وأحلامهم تتضاءل .

من لديه وهم النصر العسكري على الجيش العربي السوري  يريد أن يجرب حظه مرة أخرى فليفعل .

لذلك يملأون الوقت الضائع بالزيارات والمسودات .

مصادفة مجزرة حلفايا مع الزيارة كمصادفات مشابهة عشية كل زيارة وكل إنعقاد لمجلس الأمن تكشف انهم لم ينضجوا لحلول بعد .

 

 

النص الكامل:

 

منذ زيارته الأخيرة إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد غاب الأخضر الإبراهيمي ، وكان ينتظر ان يعود وبيده أجوبة على الأسئلة التي سمعها من الرئيس الأسد ومعاونيه .

كان لقاء الإبراهيمي مع الرئيس الأسد موفقا وإيجابيا لكن الإتجاه الذي رسمه مناقض لما ينتظره أصحاب المهمة ، فالمهمة تقوم على إحراج الرئيس الأسد بتوصيف لوقف العنف يضعف مكانة الجيش ويجلب المكاسب لحساب المعارضة المسلحة ، بإسم إلتزامات وموجبات الدولة بوقف العنف ، كمثل عدم تحليق الطيران السوري الذي يوفر إصطيادا لتجمعات المسلحين يرتب إخراجه من المواجهة ، إما إنتشارا أفضل لهم وحرية في الحركة أو إستعاضة عن دور الطيران بالمدفعية ، التي تتسبب بضحايا مدنيين عندما تطال إنتشار المجموعات المسلحة في المناطق السكنية التي لم يهجرها أهلها ، ومثلها كان المطلوب إخراج الآليات الثقيلة من الميدان أو قبول مناطق تقسم بين الجيش والمسلحين كمناطق وقف نار وخطوط تماس ، أي تسليم الميليشات المسلحة ملاذا آمنا تبني فيه مرتكزات مواصلة معركتها وخصوصا على الحدود مع تركيا .

وكان اللقاء معاكسا بنتيجته لهذه الأهداف لأن الرئيس الأسد ذهب في أطروحته إلى أبعد بكثير في عرضه لمشروع متكامل لوقف العنف ، تقدم فيه الدولة السورية ما يبدو تنازلات أكبر من تلك التي يتوقع الإبراهيمي ومن ينتظر نتائج زيارته سماعها ، وبصورة لا يمكن رفضها ،  كمثل عدم المطالبة بإلقاء السلاح والإستعداد لتسوية أوضاع المنشقين والتعامل الإيجابي مع الذي حملوا السلاح من المدنيين ، وعدم إشتراط دخول الجيش إلى مناطق سيطرة المسلحين بل الإستعداد لنشر قوات شرطة مقبولة من سكان المنطقة ، والإكتفاء في المرحلة الأولى بعدم الظهور المسلح ، لكن كل ذلك مشروط بخطة لإنهاء النزاع المسلح ، وهذه الإلتزامات من الدولة السورية تستدعي قرارا واضحا ومعلنا من الفريق المقابل دوليا وإقليميا ومستتبعاته المحلية ، بالخروج من المواجهة المسلحة بدءا من حكومات الغرب وصولا لموقف تركي وسعودي وقطري ومفردات المعارضة وميليشاتها ، مضمونه إعتبار النزاع المسلح خرابا وطريقا يائسا للوصول إلى حل ، والتسليم ان الحل السياسي هو البديل ونقطة إنطلاقه هي الحوار غير المشروط .

في الشق السياسي كان الإبراهيمي ينتظر أن يحمل شيئا بيده كما يقول ، يحمله كتشجيع للمعارضة ورعاتها على ترك السلاح ولا يجرؤ على طلب ذلك صراحة ، كالحديث عن  تنحي الرئيس ، وهو يعلم أن مهمة كوفي عنان سقطت عند هذه النقطة ومنع السقوط يستدعي البحث عن بديل لهذا الطلب الذي يعادل تنحي الدولة كلها وسقوط هيكلها ، ويستحيل الدفاع عنه عندما يعرض الرئيس إستعداده لحوار بلا فيتو على أحد ولا شروط مسبقة بما فيها مناقشة التنحي وسواه على الطاولة ، وفقا لمعادلة نناقش كل شيئ وما نتفق عليه نترجمه وما لا نتفق عليه نذهب به إلى صناديق الإقتراع ، أي أننا نتحاور ونصل إلى تفاهمات تسمح بالذهاب لتعديلات دستورية وإنتخابات وإستفتاء على ما إتفقنا حوله وما لم نتفق ، وبعد الإنتخابات نحتكم لآليات الدستور بما فيها ولاية الرئيس وإمكانية إختصارها متاحة في الدستور لمن يملك ثلثي أصوات النواب المنتخبين ، ومن لا يملك هذا النصاب اللازم عليه إنتظار الإنتخابات الرئاسية وتقديم مرشحه وإنتظار رأي الناخب السوري .

كيف للإبراهيمي الذي يدرك إستحالة مناقشة ما قاله الرئيس الأسد أن يرفضه ؟ وكيف له أن يقابل من ينتظرونه بأجوبة كهذه تحمل لمن يريد حلا سياسيا صادقا جوابا مغريا وتحمل لمن يريد العبث بسوريا سما زعافا ؟

حمل الإبراهيمي اللغز لحمد وأردوغان وفابيوس وكلينتون وبدأت جولات التصعيد وحملات التسليح والتمويل والتحريض ، وراهنوا على معركة فاصلة في حلب وفصلتهم حلب وتمفصلوا حول دمشق مرة ثانية فطارت نقاطهم وفواصلهم ، ولم يعد الإبراهيمي بجواب حول وقف التسليح ووقف التمويل ووقف التحريض كشروط لوقف العنف ، ولا هو عاد بإلغاء العقوبات كبند من بنود أي تسوية شاملة ،  فلماذا عاد ؟

عاد الإبراهيمي لأنه مكلف من الثنائي الذي يستعد للإجتماع الشهر القادم بتحضير مسودة صالحة للنقاش بلا صراخ حول سوريا بين سيرجي لافروف  وجون كيري ، كمشروع خطة متكاملة لتوافق دولي حول الحل في سوريا ، وعليه ان يستكشف إمكانية الوصول لتفاهم على حكومة تشارك فيها المعارضة وحدود الصلاحيات التي يمكن منحها لهذه الحكومة حتى موعد الإنتخابات الرئاسية القادمة وبرنامج هذه الحكومة للخروج من الأزمة .

رافقت الإبراهيمي عشية زيارته أنباء وحملات عن مجزرة في حلفايا بمحافظة حماة التي تحركت عسكريا بسبب فشل حملة دمشق الكبرى كما أسموها وبات المطلوب صرف النظر عن مواعيدها وإستحقاقاتها المعلنة ، لذلك صار المطلوب زيادة الضغط وتصعيد الحملات الإعلامية وخروج اصوات قادة دول الحرب على سوريا تطالب بنقل ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية وتهمة جرائم حرب بحق الدولة والجيش .

سيسمع الإبراهيمي مرة أخرى رؤيا بعقل بارد وعرض منهجي متكامل لكيفية الخروج من الأزمة إذا كان هناك قرار لدى دول الحرب بالخروج منها وما يهمهم هو الحفاظ على ماء وجهمهم ، أما من يريد الحصول على مكاسب سياسية في سوريا فعليه أن ينتصر في الحرب عليها لا أن يتذاكى ويهول ويتوهم أن هذه طريق للنصر بالخداع والمكر .

تريدون حلا في سوريا ؟ الطريق سهل :

- إعلان متزامن من كل العواصم المتورطة بالتسليم بأن الحل يكون سياسيا أو لا يكون وأن الحل العسكري طريقه مسدود وتعلن سوريا ذلك ايضا ، وبناء على الإعلان تعلن الأطراف كلها وقف كل ما يسهم في تصعيد العنف مالا وسلاحا وإعلاما وتوضع بتصرف الإبراهيمي آليات مراقبة لإلتزام المعنيين بما يقولون من مراقبة الحدود إلى مراقبة الإعلام ، وتعلن التشكيلات المعارضة المعتمدة من الغرب والخليج وتركيا مواقف صريحة بالخروج من الخيار العسكري بلا عنتريات ، والتسليم أن لا فائدة ترجى منه وأن الحل السياسي هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة .

- ترجمة الإعلان المتزامن والمتوازي بالشكل والمضمون بإعتبار الحوار الوطني طريقا للحل السياسي والقبول بحل بلا فيتو على احد وبلا شروط مسبقة و ما يتفق عليه تترجمه حكومة جديدة أو ذهاب فوري للإنتخابات في ظل قانون إنتخابي ومرجعية إشراف على الإنتخابات يرتضيهما المتحاورون .

- نتائج الإنتخابات هي من يقرر الجواب على باقي الأسئلة من نوع كيف تكون الحكومة الجديدة وكيف يكون مستقبل الرئاسة لأن البرلمان المنتخب يملك تعديل الدستور كله وفقا لنسب توزع المقاعد فيه ومن يثق ان الشعب معه فهذه وصفة لا ترد ليحصد ثلثي المقاعد وعندها ليعدل ما يريد من المواد الدستورية ويستلم السلطة كلها إذا إستطاع لكن بإسم الدينمقراطية التي يدعيها وليس بقوة إستدراج غحتلال أجنبي ينصبه على البلاد .

- من كل هذا وبعده كإعلان نوايا جامع لكل المعنيين في سوريا وخارجها يمكن الدخول لخطة شاملة لوقف العنف  ومن ضمنها حل مشكلة السلاح والمسلحين .

مرة ثانية سيعود الإبراهيمي من سوريا دون أن يعلن أنه دخل مرحلة الحل وستعود اطراف الحرب لجولة تصعيد جديدة بإنتظار جهوزية الأميركي لدخول حلبة التفاوض وفي أول اللائحة التي يضعها الإبراهيمي بحصيلة لقاءاته في دمشق أمام من ينتظر عودته هذه المرة سيكون ما سيسمعه ماذا عن الحرب على الإرهاب ؟ ولم لا نبدأ بالتفاهم على تصنيف الجميع في الداخل والخارج لجبهة النصرة وأخواتها على لائحة الإرهاب ؟ وتجريم من يتعاون معها ويمد لها يد العون ويحتضنها وعندها نرى ان المعارضة المسلحة صالحة لتكون شريكا في حل سياسي ومن يقف وراءها  صادق في هذا الحل ؟

 

ناصر قنديل 24-12-2012

nasserkandil@hotmail.com

 

 

 

 

 

 

2012-12-24 | عدد القراءات 2003