كتب ناصر قنديل :
كلام في الدستور المصري
الملخص :
- فاز الدستور ب62% من المصوتين الذين بلغو 32% اي أقل أو اكثر بقليل من 20% قالوا نعم والشرعية المفترضة في علم القانون بين دساتير العالم هي نصف المصوتين بمشاركة نصف الناخبين اي 25%.
- تراجعت المشاركة عن الإنتخابات الرئاسية من 52% إلى 32% وبان 20% معارضون لا يريدون قول نعم
- المهم أننا أمام 20% قالوا نعم و20% قالوا لا بالمقاطعة و12% قالوا لا بالتصويت يعني سقط الدستور ب 32 مقابل 20
- الأخوان فازوا بالرئاسة ب52% من 52% من المشاركين أي26% و خسروا 6% من التأييد "نصف مليون في الشهر"
- الكتلة المشتركة للأخوان والسلفيين هي فعليا النعم ال20 وليست ال70% من مجلس الشعب المنحل
- نسبة الاخوان لمعارضيهم 20 مقابل 32 يعني 38 مقابل 62 وسنراها في اي برلمان قادم
- مصر أمام إنهيار مالي بلغ تدهور سعر العملة100% خلال ستة اشهر وهي نسبة لم تصب الليرة السورية رغم الحصار والعقوبات وتوقف الإقتصاد والحرب الشعواء
- سوريا تستعد للخروج من الخطر ومصر تذهب إليه فحيث ينهزم الأخوان يسقط الخطر وحيث يفوزون يتقدم
النص الكامل :
أعلن الرئيس المصري في خطابه أمس إختتام ملف الدستور المصري بناء على نتائج الإستفتاء معتبرا أن مرحلة جديدة بدأت وهي مرحلة بناء المؤسسات على أساسه ومعها مرحلة البناء الإقتصادي .
هل هذه هي الصورة ؟
ينطلق الأخوان من الرد على المطالبين بالتوافق كشرط لولادة الدستور بالقول أن كل دساتير بلاد العالم تحسم بالإستفتاء وأن نسب الفوز بها كثيرا ما كانت دون النسبة التي حاز عليها تأيدد الدستور في مصر ولذلك يطوون صفحة الدستور ويمضون .
فهل هم محقون ؟
يتذاكي الاخوان في التشبيه بين الدساتير التي تعرض على الإستفتاء في لحظة تأسيسية وبين عمليات التعديل الروتينية للدساتير ، ويتذاكون في المقارنة بين الدساتير التي تطال الخلافات حولها قضايا تقنية وبين الخلافات التي تطال قضايا ميثاقية تحدد هوية الكيان الوطني للدولة وتعايش مواطنيه .
في مصر يشكل دستور ما بعد الثورة مفصلا تأسيسيا للإنتقال من مرحلة عمرها نصف قرن إلى مرحلة جديدة ، و الإنتقال يتم في ظل علاقة ملتبسة بين الأخوان ومساهمتهم في الثورة وبين شركائهم أو من سبقوهم إليها ، والوجه الأول المعني بالتوافق هو الحفاظ على قواعد للعبة ديمقراطية بين ما يمكن تسميته معارضي النظام السابق بالتفاهم على أساسيات الدستور لتنظيم التنافس الإنتخابي ، إنطلاقا من دستور جامع متفق عليه ، وفي هذا لا يقارن الأمر التوافقي بأي بلد آخر ، ولا يجوز فيه التشبيه بالإحتكام للصناديق ، فقد إنشق الصف وإنتهى الأمر ، وتحول الإستفتاء بديلا عن الإنتخابات أو شبيها بها ، وبالتالي سرقة لآلة قانونية سيستخدمها الأخوان في جولات الصراع القادمة وليس إطارا قانونيا يمكن اللجوء إليه في لحظات إستعصاء الخلاف والتباين .
الوجه الثاني في التوافق المفروض نابع من كون الأخوان يخوضون للمرة الأولى تجربة حكم تصل فيه حركة إسلامية للسلطة في مجتمع يضم شرائح واسعة من مكوناته غير المسلمة وغير الإسلامية ، اي من غير دين الإسلام وغير الإنتماء السياسي الإسلامي ومحور التوافق هنا يطال حماية الوحدة الوطنية للمجتمع في تناوله لقضايا الحريات بأبعد وأقرب معانيها .
هذا يعني ان مفهوم التوافق يفترض أن يطال البنية الأساسية للدستور ولا يمنع بقاء مواد تقنية في إجتهادات ممارسة السلطة يطالها التباين ويحسمها الإستفتاء .
الذي جرى في مصر هو العكس تماما فوضعت البنية الأساسية الخلافية اساسا في مواد مترابطة ، تنطلق من مصطلح الشريعة الإسلامية مصدر التشريع ، يليها مادة أن القصد بالشريعة مذهب أهل السنة والجماعة اي المذهب السلفي ، ويليهما مادة انه يرجع بهذا الشأن لمجلس كبار العلماء اي لهيئة دينية تشكل المرجع الفعلي في تفسير الدستور والقوانين يمكن العودة إليها في كل خلاف وطني ، وترك الأخوان اجمل النصوص للقضايا التقنية حيث لا حاجة للإستفتاء عليها وراحوا لحسم الهوية الوطنية للدولة بالتصويت .
أما وقد قرروا اللجوء إلى التصويت الأهلي اي إستنفار المسلمين بغريزة وفطرة الدفاع عن الشريعة لقول نعم ، وراهنوا على ان يكون الفوز ساحقا ، فالمقارنة مع اي تصويت على دستور تبدأ دراستها من نسبة المشاركة قبل نسبة نعم .
لم يعتبر فوز اي دستور تعبيرا ديمقراطيا إذا تدنت نسبة المشاركين في التصويت عن ال50% وفي حال الفوز ب51% من المصوتين ، أي وضعت نسبة ال25% من الذين لهم حق التصويت كنسبة لاغية بمادة دستورية واضحة في بعض الدساتير يعاد الإستفتاء في حال عدم الفوز بها .
بالرغم من كل الشوائب التي رافقت عملية الإستفتاء من غياب القضاة وإحتجاجهم ، وهو أمر غير مسبوق في بلاد العالم ان تمضي سلطة بإستفتاء يعترض القضاة على إجرائه ، والكثير الكثير من الإعتراضات التي كادت تصل حد قرار المقاطعة من جانب الكنيسة ، وفوقها الحديث عن التصويت الجماعي ورشاوى الزيت والرز والسكر وتزوير بطاقات .
رغم كل ذلك فاز الدستور ب62% من المصوتين الذين بلغو 32% ممن لهم حق التصويت اي أقل أو اكثر بقليل من 20% من إجمالي من يملكون حق التصويت وهي نسبة هزيلة جدا بالقياس لنسبة الشرعية المفترضة في علم القانون بين دساتير العالم .
في السياسة يمكن البناء على رقم ال20% وليس على رقم ال62% وبناء على رقم ال20% من الناخبين المصريين سيحكم الأخوان وبناء على هذا الرقم يجب المقارنة مع رقمين ، الأول هو نسبة المشاركين في الإنتخابات الرئاسية التي فاز بها الأخوان وكانت نسبة المشاركة 52% وهذا يعني ان نسبة 20% من الناخبين فوق ال32% الذين شاركوا بافستفتاء كانوا قد شاركوا في الإنتخابات الرئاسية لكنهم قاطعوا الإستفتاء وهؤلاء مختلفون عن نسبة ال48% الذي لم يأتون للإنتخابات الرئاسية والممكن أن يقال عنهم عازفون عن السياسة أو غير مكترثين وهي نسبة توجد في كل بلاد العالم .
من الخطأ طبعا محاججة الأخوان بكون 68% من الناخبين قاطعوا لكن من التزوير تجاهل أن 20% يعادلون الذين قالوا نعم قد قاطعوا الإستفتاء وهؤلاء شاركوا في الإنتخابات الرئاسية ولأنه يستحيل ان يكونوا من مؤيدي الإستفتاء وقاطعوا ، فهم أحد إثنين إما معارضين لم يقتنعوا بجدوى المشاركة التي نادت إليها المعارضة وقادتها أو ناخبين منعوا بطريقة او بأخرى من الإدلاء بأصواتهم عبر تنظيم الطوابير واولويات المجموعات المنظمة للأخوان والإقفال المسيطر عليه للصناديق واللوائح الإنتخابية وسواها أو هم مؤيدي مرشحي النظام السابق الذين يدعي الأخوان أنهم تسرعوا وإستبدوا منعا لمؤامرة يعدها هؤلاء.
المهم أننا أمام 20% قالوا نعم و20% قالوا لا بالمقاطعة و12% قالوا لا وإعترفت بهم لجنة الإنتخابات .
في علم التصويت سقط الدستور المصري بقول 32% لا = 20 قاطعوا + 12 وصلوا للصناديق وقالوا لا وبالمقابل 20% فقط قالوا نعم .
الإشارة الثانية التي تكشفها الأرقام هي ان الأخوان الذين فازوا بالرئاسة ب52% من اصوات الناخبين البالغين 52% من إجمالي أصحاب حق التصويت قد حصدوا يومها أكثر اواقل بقليل من 26% وبالتالي قد خسروا 6% من التأييد بين الرئاسة والدستور والمفروض هو العكس بالتأكيد ، لأن الدستور يفترض أن يحوز قاعدة تأييد وإجماع تتعدى مؤيدي الخيار الإنتخابي للأخوان ، وهذا يعني الكثير لكنه يعني أيضا ان الأخوان خسروا ثلاثة ملايين مؤيد في ستة اشهر بمعدل نصف مليون في الشهر ، وهو نزيف قاتل بالـتاكيد ، وإذاكان هؤلاء هم ممن أحبطتهم تجربة الأخوان في الحكم وقد راهنوا عليها فهم أيضا من مؤيدي تيارات أخرى اعطتهم في الرئاسة منعا لفوز مرشح انلظام السابق ، وهذا يعني ان الكتلة المشتركة للأخوان والسلفيين هي فعليا 20% من الناخبين المسجلين في مصر وليست النسبة التي حازوها في مجلس الشعب الذي قررت المكمة الدستورية حله والتي بلغت 70% .
في الدورة الرئاسية الأولى أرقام معبرة أيضا للمقارنة حيث يظهر لنا أن الفارق بالمشاركة بين الدورتين الأولى والثانية ، من 46 و52 ،هو ال6% التي خسرها الأخوان بين الدورة الثانية والدستور ، وبالتالي هي عمليا الكتلة الإحتياطية للثورة من نخب ومثقفين إستنهضهم للمشاركة منع وصول مرشح النظام السابق وقرروا الإمتناع عن التصويت بنعم على الدستور تعبيرا عن الرفض ، ونكتشف أن ال46% الذين شاركوا في الدورة الأولى هم أكثر ب14-15% من الذين شاركوا بالإستفتاء وهي تقريبا مجموع نسبة الناخبين الذي منحوا أصواتهم بنسبة 34% من ال46 المشاركين لمرشحين محسوبين عمليا على النظام السابق اي احمد شفيق ب 23% وعمرو موسى ب 11% بحيث يمثل 33% من الناخبين يومها وهي نسبة ال14-15% من اجمالي المصوتين ، يضاف لهم ال6% الممتنعين والذين خسر الأخوان أصواتهم في الطريق من الرئاسة للدستور ليصير جمع ال20% المعبر بالمقاطعة واضحا ،مما يدلنا أيضا أن المواجهة في الإستفتاء جرت بمعزل عن مؤيدي النظام السابق ، وقد قرروا خلافا لما يقول الأخوان الخروج من معركة لا رغم وجود عمرو موسى في جبهة المعارضة للدستور .
الأهم هو أن ال12 % الذين قالوا لا هم أنفسهم الذين أيدوا حمدين صباحي في الدورة الأولى أي 20% من ال46% الذين شاركوا في الإنتخابات يومها وبالتالي فإن وجود البرادعي والوفد وعمرو موسى في المعارضة للدستور لم يجلب شيئا يذكر في معارضة الدستور من جهة ، كما ان مناصري ابو الفتوح ال17% إذا جمعوا مع ال24% التي حازها مرسي يشكلون 41% من مصوتي الدورة الولى وبالتالي مجموعهم اقل بقليل من الذين قالوا نعم للدستور برغم دعوة ابو الفتوح لقول لا .
مشهد مصر القادم هو أن الأخوان باتوا بحاجة دائمة للسلفيين و سيحكمون معا ب 20% من المصريين وبوجههم 32% من الكتلة الحيوية من المصريين ال52% الذين شاركوا في الإنتخابات الرئاسية بدورتها الثانية وقاطع منهم أو حرم 20% الإستفتاء على الدستور وقال 12% منهم لا للدستور ، ونسبة البرلمان القادم ستكون تعبيرا عن هذا التوزيع للقوى وسنكون أمام برلمان الفشل الأخواني الكبير بنسبة 38% لتحالف الأخوان والسلفيين بدلا من 70% في البرلمان السابق قبل أقل من سنة ومقابلها نسبة ال62% للمعارضة بمختلف تشكيلاتها .
يحدث هذا ومصر أمام إنهيار مالي بلغ تدهور سعر العملة 300% منها 100% فقط خلال ستة اشهر فالجنيه مقابل الدولار قفز فوق عتبة ال10 ل 1 بعدما إستقر على عتبة ال 5 قبل سنة ، وهي نسبة لم تصب الليرة السورية رغم الحصار والعقوبات وتوقف الإقتصاد و تقطع شرايين المناطق بحرب شعواء تأكل الأخضر واليابس ، ولا يزال البنيزن والمازوت والخبر والكهرباء والماء بين أيدي السوريين بصورة افضل مما يحصل عليه المصريون كما يعرف كل من يزور البلدين هذه الأيام .
سوريا تستعد للخروج من خطر حرب أهلية داهمة ومصر تدخلها باقدام واثقة فحيث ينهزم الأخوان تسقط الحرب الأهلية وحيث يفوزون تتقدم ويتقدم معها الخراب .
لا تسألوا عن كامب ديفيد ولا عن القدس وفلسطين والوحدة العربية ووحدة المسلمين فالأخوان لن يرف لهم جفن كما لم يرف لهم جفن عند القروض الدولية المخالفة للشريعة وتشجيع السياحة بكل مقتضيات اللهو والإبتعاد عن معايير الدين .
السلطة اهم من الشريعة وأهم من الشعب وأهم من الوطن .
ينزف الأخوان لكنهم قد يصيبون مصر بفقر الدم قبل ان يعترفوا بنزيفهم أو يتنحوا عن مص دمائها .
ناصر قنديل
27-12-2012
nasserkandil@hotmail.com
2012-12-27 | عدد القراءات 1843