كتب ناصر قنديل :
الإبراهيمي ونموذج يوغوسلافيا
الملخص:
- ربيع أوروبي في التسعينات وربيع عربي بعد 20 عام
- ثورة عمال حوض غدانسك في بولندا بقيادة ليش فاليسا نسخة عن حادثة البوعزيزي في تونس
- اوروبا الغربية الكاثوليكية وكنائسها قامت بما تقوم به دول الخليج العربي والإسلام السياسي والجزيرة بدلا من بي بي سي
- تعثر ربيع أوروبا في يوغوسلافيا الأرثوذوكسية لا الكاثوليكية فإستعانوا بالحرب الأهلية والقاعدة من افغانستان والشيشان والتمويل الخليجي والحضانة التركية
- جربوا نموذج تونس ومصر واليمن وليبيا في سوريا ففشلوا جاؤوا بنموذج يوغوسلافيا
- الأخضر الإبراهيمي يحمل إلى سوريا ذات مقترحات فيزجيرالد إلى يوغوسلافيا :
1- تخفيض سلطات الدولة المركزية ممثلة برئيس الدولةتمهيدا لتقسيمها
2- تفكيك مؤسسات الجيش وأجهزة الأمن تحت شعار إعادة الهيكلة
- الإبراهيمي ونموذجه سيسقطان :
1- روسيا اليوم ليست روسيا الأمس
2- التدخل العسكري الأميركي والأطلسي فوق طاقة اصحابه
3- سوريا ليست يوغوسلافيا
4- الربيع الأوروبي كان في اوجه يوم سقطت يوغوسلافيا بينما يسقط الربيع العربي وسوريا لا تزال في ذروة صمودها
طريق واحد للحل في سوريا هو الصناديق ومن يبحث عن حل آخر عليه مواصلة القتال .
النص الكامل :
يريد عزمي بشارة وقناة الجزيرة ومعهما رتل من الكتاب المنافقين أو المغفلين أخذنا بالدهشة أمام روعة وعظمة وفرادة ما يسمونه بالربيع العربي ، وكثير من الناس عندما يرون ويستعيدون ما يرونه في المشهد العربي يحسون أنهم قد شاهدوا ما يشبهها من قبل ، ويقولون في سرهم لقد حضرنا أحداث هذا الفيلم من قبل .
يستطيع من يراجع تجربة التسعينات من القرن الماضي أن يتبين بسهولة اوجه الشبه بين الربيع الأوروبي الذي بدأ بثورة عمال حوض غدانسك في بولندا بقيادة ليش فاليسا ، والربيع العربي الذي بدأ بحادثة البوعزيزي في تونس ، كما يستطيع تبين التشابه بين الدور الذي لعبته دول اوروبا الغربية الكاثوليكية وكنائسها ووسائل إعلامها في رعاية هذه الثورات التي إجتاحت بلدان أوروبا الشرقية ، والدور الذي تلعبه دول الخليج العربي والإسلام السياسي المكون بصورة رئيسية من الأخوان المسلمين وتنظيم القاعدة بمكونها السلفي الوهابي في الثورات العربية ، وها هي الجزيرة تؤدي ببراعة دور البي بي سي في ثورات أوروبا .
الموقع الذي تعثرت عنده تجربة الربيع الأوروبي كان يوغوسلافيا حيث المسيحية أرثوذكسية وليست كاثوليكية ، وحيث نهاية الجدار الكاثوليكي وحيث كان الإسلام السياسي المدعوم من السعودية و وتركيا وبدء صعود النجم القطري ضرورة لقلب المعادلة ، والإعتماد على لعبة مختلفة تجمع بين الحرب الأهلية والتدخل الخارجي العسكري وإستخدام آلات الأمم المتحدة في ظل إنهيار الإتحاد السوفياتي وظهرو روسيا المريضة .
عشرون عاما وأكثر هو عمر الأزمة في يوغوسلافيا السابقة و أكثر من مئة قرار عن مجلس الأمن ومئات آلاف الضحايا ودمار وخراب يحتاج لمئات مليارات الدولارات لتعويضه ، وها هي يوغوسلافيا التي كانت في يوم من الأيام بقيادة تيتو شريكا لمصر جمال عبد الناصر في بناء منظمة دول عدم الإنحياز ، تتحول إلى مجموعة دويلات متناحرة تقيم فيها إلى أجل غير مسمى قوات أجنبية وتفقد الدور والإقتصاد والسيادة .
الأخضر الإبراهيمي يحمل إلى سوريا ذات مقترحات بيتر فيزجيرالد إلى يوغوسلافيا ومضمونها بدء تفكيك الدولة وبنيانها بإسم البحث عن تسوية يقف على طرفها الاخر مجموعة داخلية ممسوكة جيدا تجاهر بالرفض كلما جرى تقديم مقترح وتعتبره غير كاف .
قضيتان شكلتا عنوان المقترحات المتشابههة :
1- تخفيض سلطات الدولة المركزية ممثلة برئيس الدولة تحت شعار المرحلة الإنتقالية التي ترجمت مع المبعوث الذي تلاه الياباني آشاسكي وإتفاقية دايتون بإشهار تقسيم يوغوسلافيا إلى أربع دويلات هي صربيا أو مقدونيا وكرواتيا والبوسنة - الهرسك والبحر الأسود .
2- تفكيك مؤسسات الجيش وأجهزة الأمن تحت شعار إعادة الهيكلة ولاحقا إخضاع قادة الجيش والأجهزة للمحاكمات في ظل تشكيل محكمة خاصة بيوغوسلافيا .
جربت في يوغوسلافيا يومها وصفة بولندا ووصفة رومانيا - بالمناسبة كم هو الشبه بين شكل التخلص من تشاوسيسكو في رومانيا والقذافي في ليبيا - ووصفة تشيكيا ووصفة بلغاريا وكان الفشل فكانت حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس ، ويتسنجد فيها الغرب بتنظيم القاعدة من الشيشان وأفغاستان برقم يفصح عنه أصحابه اليوم هو مئة الف متطوع مولتهم دول الخليج وسلحتهم ودربتهم تركيا ورعتهم وحمتهم اوروبا الغربية العلمانية .
سقطت وصفة تونس ووصفة مصر ووصفة ليبيا ووصفة اليمن في سوريا فكان لا بد من وصفة جديدة .
يوغوسلافيا نموذجا بذات المصادر والعناوين من القاعدة والمئة ألف متطوع إلى تركيا الحاضنة والسعودية وقطر الممولتين والجزيرة المنبر ، والأخضر الإبراهيمي مبعوثا ، وهو الاتي من مجموعة مهام مشابهة لكنه صاحب المهمة الأعقد في وضع إستراتيجية التدخل العسكري والسياسي للأمم المتحدة في المهمة الخاصة التي كلف بها عام 2000 .
أربعة عقبات لا يفهمها الإبراهيمي ومن وراءه ، لن تسمح للمناورة الجديدة الأولى التي بدأها بالحديث عن حكومة كاملة الصلاحيات تنهي عمليا دور الرئيس بشار الأسد في إدارة الدولة وتضرب بذلك العصب المعنوي والسياسي للدولة السورية ووحدتها وتتولى إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية كما تقول مبادرته :
1- أن روسيا اليوم بعد يوغوسلافيا والعراق وليبيا هي ليست روسيا الأمس ولن يكون في مجلس الأمن غطاء لا لقرارات وفقا للفصل السابع لتغطية المبادرة - المناورة ولا لتدخل بإسم قوات حفظ سلام تتحول إلى إنتداب أجنبي .
2- أن التدخل العسكري الأميركي والأطلسي فوق طاقة اصحابه بعد حروب أفغانستان والعراق من جهة وموقع سوريا الجيواستراتيجي من جهة أخرى وتداعياته المدمرة على كل من إسرائيل وتركيا في حال حدوثه يحسبون لها ألف حساب.
3- أن سوريا ليست يوغوسلافيا رغم كل محاولات تفتيت وحدتها الوطنية وتحويلها امارات وممالك طائفية ورغم محاولات التعميم والتوسيع من جهتي العراق ولبنان وربما الأردن ، ففي سوريا اغلبية عابرة للطوائف تتمسك بدولة الوحدة الوطنية ، وفي قلب هذه الدولة وعلى رأسها زعامة تجمع عليها مكونات هذ الأغلبية على إعتبارها الضامن لبقاء الدولة والكيان جسما موحدا هي زعامة الرئيس بشار الأسد .
4- أن الربيع الأوروبي كان في اوجه يوم تم إسقاط يوغوسلافيا الموحدة بينما يسقط الربيع العربي وسوريا لا تزال في ذروة صمودها ، فالمصريون والتوانسة التواقون للخلاص من حكم الأخوان ومذلتهم يتطلعون إلى صمود سوريا كبوليصة تأمين لمستقبل بلادهم عدا كل العرب المتمسكين بفلسطين ومقاومتها ، وقد رأوا بأم العين مضمون موقف الأخوان وحلفائهم المخزي من الصراع مع إسرائيل ، وتجاوزهم في التطبيع والإنهزام لتجربتي كل من السادات ومبارك .
لذلك كله في سوريا سيتعلم الإبراهيمي بعضا من الأدب وبعضا من الذكاء وبعضا من العروبة وسيكتشف ان في سوريا حجم الحرب اكبر ممن وعدوه بسهولة المهمة .
طريق واحد للحل في سوريا لا يحتاج حكومة و لا من يحوكمون ، قوامه وقف للنار يرتبه الإبراهيمي مع جماعاته من اصحاب النصرة وسواهم ويراقبه مراقبون للأمم المتحدة و مفوضية عليا للإنتخابات يتفق على نزاهة وحياد أعضائها ، تضع ترتيبات إنتخابات متوافق على قانونها وآليات مراقباتها لجمعية تأسيسية خلال ثلاثة شهور ، يملك من يحصل على نصفها زائد واحد تشكيل حكومة ، ومن يملك ثلثيها صياغة دستور ، ومن يملك ثلثها حق الفيتو في صياغة الدستور و فرض التوافق، و العملية كلها لا تحتاج لأكثر من سنة تنتهي بدستور جديد وإستفتاء عليه فإنتخابات برلمانية ويكون موعد الإنتخابات الرئاسية قد حان ، وتتكلم الصناديق ومن يبحث عن حل آخر عليه مواصلة القتال .
ناصر قنديل
28-12-2012
nasserkandil@hotmail.com
2012-12-28 | عدد القراءات 2716