لماذا الغنوشي متهم ؟
- منذ إغتيال القائد النقابي والمناضل اليساري شكري بلعيد و حركة النهضة التونسية - الجناح التونسي للأخوان المسلمين - تجهد لإقناع الرأي العام التونسي والعربي والإسلامي والغربي بأنها بريئة من دماء بلعيد وهي اليوم مع إغتيال الزعيم الشعبي والمفكر السياسي القومي واليساري والقائد النقابي والخطيب المفوه محمد البراهمي تشن النهضة حربا إعلامية مركزة لنيل البراءة إعلاميا و التصدي إستباقيا لأي محاولة لتوجيه اصابع الإتهام نحوها
- يمكن لحملة النهضة لطلب البراءة أن تكون التتمة لعملية الإغتيال أو تكون طلبا صادقا لفهم الظروف التي تحيط بالإغتيال والسياق الذي يراد عبره توريطها بحرب مكشوفة مع المكونات الأخرى للمجتمع التونسي وما تسميه إفشال تجربتها في الحكم تحت شعار تتخذه النهضة لحملتها وهو تعالوا نسأل من المتسفيد من الإغتيال في كل مرة ودققوا أليست النهضة في رأس قائمة الخاسرين ؟
- التحليل هنا لا ينطلق من الرغبات لا بالبراءة ولا بالإتهام ولا من مشاعر الحب والكراهية بل من محاولة القراءة السياسية الباردة للمشهد التونسي وعلاقته بالمشهد العام في المنطقة وخصوصا كيف يواجه وكيف سيواجه الأخوان المسلمون التحديات التي إنطلقت مع العام الأول من تسلمهم السلطة عبر الإنتخابات في بلدان الربيع العربي ؟
- الأكيد أن المشروع الأخواني يواجه مصيرا قاتما مع ما أصابه وينتظره في مصر حيث عقل الأخوان وقلبهم وحيث في فقههم هي دار الإسلام وحيث لا قيمة لحكمهم بلد مثل تركيا وبأهميتها إذا خسروا مصر بل حيث يجب توظيف كل قدرات فروع الأخوان لخدمة معركة مصر
- الأكيد أن حساب الأخوان ليس دائما تعبير عن افضل ما يمكن في مصلحتهم فالرعونة والغطرسة من جهة و الإستناد لحجم التأييد الأميركي والإسرائيلي والتمويل القطري و الدعم الإعلامي لقناة الجزيرة من جهة اخرى جعلا الأخوان يتصرفون بغرور سياسي عالي الوتيرة و ذلك إنطلاقا من الثقة العميقة بكون المصلحة الإسرائيلية محرك السياسات الأميركية وبأن حجم ما قدمه الأخوان لأمن إسرائيل لن يضاهيه ما يمكن ان يقدمه الاخرون أي آخرين
- هذا يعني أن ما قد يرتكبونه من أخطاء في الحسابات تدفعهم لإرتكاب حماقات يتبوننها أو يتبرأون منها تؤدي لتعميق مازقهم لا تصلح كحجج لإعتبارهم أبرياء لمجرد أنهم وقعوا في نهاية المطاف في جبهة المتضررين
- في القراءة العامة لسلوك الأخوان الواضح أنهم قرروا في مصر وبمعزل عن أي تدقيق في موازين القوى وضع معادلة علي وعلى أعدائي يا رب وهي معدالة لا علاقة لها بالسياسة لكن الرهان أنها معادلة إبتزازية تريد الوصول لنقطة مفادها تم منعنا من الحكم ونستطيع أن نمنع غيرنا من أن يحكم أو نأخذ البلد كله رهينة لحرب اهلية والواضح ان هذا السياق مفتوح على حمام دم ينتظر المصريين فقوة بحجم الأخوان تمثل 20% من المجتمع لا تملك ما يسمح لها بالحكم لكن هذا الوزن التمثيلي المسلح والمنظم والممول يستطيع أن يجعل حياة المصريين حجيما ولزمن غير قصير
- خارج مصر من الواضح أيضا ان حماقة حركة حماس في إدارة ملف العلاقة مع سوريا وإصرارها على تغليب إخوانيتها على فلسطينيتها و إستطرادا علاقتها بين محوري قطر وتركيا من جهة و حزب الله وإيران من جهة اخرى سواء بمعيار الأخلاق او السياسة أو القضية أو المصلحة هي خيارات غير عقلانية وإنتحارية بكل ما تحمل الكلمة من معنى
- في تركيا يذهب أردوغان للمواجهة بدلا من الإحتواء والتفاعل مع الحركة الإعتراضية المتنامية تحت تاثير السياسة العدائية التي إتخذها حزبه تجاه سوريا ونتائجها على الداخل التركي وإستنهاض الجيش والنخب الإقتصادبية والسياسية يمينا ويسارا
- في سوريا يقفل الأخوان كل أبواب السياسة وهم بعد طول رهان على نصر قريب يخسرون مواقعهم السياسية في الإئتلاف لحساب ممثلي السعودية وفي الميدان لحساب الوهابية و يبدو جميعهم بالإجمال أمام مأزق اللامستقبل
- في تونس تحاول النهضة تقديم تمايزها عن الأخوان في مواقع اخرى لطلب البراءة بالقول أنها لم تسلك طريق الإستئثار بالحكم بل ذهبت للتحالف مع قوى علمانية وهي تخفي ان ما اجبرها على هذا الخيار هو فشلها بالحصول على أغلبية مقاعد المجلس التاسيسي فإختارات أضعف العلمانيين تمثيلا وتشاركت معهم على قاعدة انها الحزب الحاكم بإعتبارها اول الفائزين في الإنتخابات و معها ثلث أصوات الناخبين
- تحاول النهضة توصيف تمايزها بكونها لم تقف على جبهة لإشتباك مع الجيش التونسي متجاهلة ان السبب هو غياب جيش قوي وحاضر في المعادلة التونسية كما هو حال كل من مصر وتركيا
- في حالة تونس الواضح أن الخطر على حكم النهضة هو من الإنتخابات بمواجهة تحولات جذرية شهدتها تونس تجاه مشروع النهضة في محورين لم تشهدهما مصر هما دورها القتالي في سوريا و ووجود قوى حزبية جديدة تستند إلى دور تاريخي لمنظمة نقابية عملاقة ممتدة على مساحة تونس وشريك دائم في المشهد السياسي هي الإتحاد العام التونسي للشغل و في المحورين قامت النهضة بمحاولات متتالية لتهميش الخطاب الديني المعتدل المناوئ لمشاركتها في القتال في سوريا وكان آخرها إقصاء مفتي الجمهورية و لم تنفك تحاصر الإتحاد العام للشغل بكل وسيلة
- في وعي النخب الجديدة برزت رموز تعبوية ذات تاثير في الشارع وفي الحركة النقابية والسياسة وتملك خبرات تنظيمية عالية من أبرزها شكري بلعيد و محمد البراهمي و التحليل القائل بأن وراء الإغتيال سعي للفتنة بوجه النهضة يتجاهل الإجابة عن سؤالين : الأول لماذا لم يطل الإغتيال مواقع تسرع الفتنة أكثر مثل بعض قادة الجيش او الليبراليين مثل المرزوقي او الباجي قائد السبسي وتتركز فقط على رموز يفضحون دور النهضة في سوريا ويملكون وزنا شعبيا وتنظيميا مهيئا لقيادة الشارع الإنتخابيي والشعبي والنقابي وتقديم بدائل وازنة وعقلانية للنهضة في المجتمع التونسي ؟ والثاني كيف يمكن أن تكون فتنة والجماهير المرتبطة بهؤلاء الرموز هي جماهير مسيسة ومتنبهة لخطر الذهاب للإقتتال الأهلي وتضع كل جهد لحصر ردودها بالتعبير السلمي و محاصرة كل محاولة للفتنة بينما البيئة المحيطة بأي مكونات اخرى قد تسرع الفتنة ؟
- أن تكون هناك خصوصية تونسية هذا صحيح ولأنه صحيح فإن الخطر الداهم على النهضة هو من رموز الإتحاد التونسي للشغل وقادة الشارع القومي واليساري ورموز الإعتدال الديني و ليس من الجيش ولا من الليبراليين وليس صدفة ان هؤلاء هم المستهدفون
- راشد الغنوشي أنت متهم
ناصر قنديل
26/7/2013
nasserkandil@hotmail.com