كتب ناصر قنديل - ماذا بين موسكو واشنطن ؟

الملخص:

- واشنطن منحت السعودية دور الإمرة وضبطت توقيتها على الساعة السعودية في سوريا لتعديل التوازنات و في مصر لإحتواء التغييرات ودور بندر منسق إسرائيليا لكنه تكتيكي لأسابيع وشهور

- آخرها كان توريط البيت الأبيض بإلغاء القمة مع الكرملين للمقايضة المشتركة على ملفات سنودن بوعد أجوف على ضربة محكمة تطيح الأسد بعملية إغتيال مدبرة ثبت أنها مجرد عملية فاشلة بعدما كانت لخصوصية الموعد والمكان اخر الفرص الاميركية لتغييروضع  سوريا

- المستوى الإستراتيجي في العقل الأميركي ينتقل من التسليم بخسارة البر الاسيوي للبحث في مستقبل البحار التي تخسر نفوذها فيها تباعا من المتوسط الى بحر الصين

- تحول أميركا إلى قوة محيطات لا مكان لها في بحار آسيا أكبر من قدرة أميركا على تحمله

- التأخر الأميركي في التموضع  الجديد نحو التفاوض ينتظر مستقبل مصر والرهان على تطوير الحضور في البحر الأحمر وما يعنيه من  تركيز مقبل على السودان وإستعادة القواعد الأميركية في السعودية ومصر والعين على سيناء

- حيص بيص أميركي في شهر آب فسر نتيجته لافروف بالقول أن القمة الأميركية الروسية تأجلت ولم تلغ

 

ماذا بين موسكو واشنطن ؟

النص الكامل:

 

- اجماع المحللين والمتابعين على إعتبار كل الأزمات العالمية جزءا من ملفات العلاقة الأميركية الروسية في زمن التراجع الأميركي والصعود الروسي المدعوم بطاقة الصين الإقتصادية و حضور الحلفاء الإقليميين بقوة في ملفاتهم المتفرقة يجعل من مناخ التأزم في كل الملفات رهنا بالتفاهمات المعلقة بين القيادتين الروسية والأميركية

- الهبات البادرة والسخنة وموجات التفاؤل والتشاؤم التي تتناوب على توقعات مستقبل العلاقة الروسية الأميركية كخارطة طريق لحلحلة الملفات العالقة تستدعي فهما أعمق و تحليلا ادق للعناصر المستحكمة في صياغة هذه العلاقة الملتبسة والمعقدة

- الملفات الرئيسية كان واضحا انها ترتسم حول تسليم اميركي بخسارة السيطرة على آسيا بالحروب المباشرة والسعي لتفادي قيام غيرها بملء الفراغ الإستراتجي الناجم عن الخروج العسكري من العراق وتاليا من أفغانستان من جهة و إستشعار روسي بالفرصة المؤاتية لتجميع حلف المتضررين من هذه الهيمنة والتقدم عمليا عبر الغطاء الديبلوماسي الروسي لهم للتشارك الإقلميمي معها في تشكيل مظلة قادرة على ملء هذا الفراغ بدءا من كوريا ومرورا بإيران وصولا لسوريا وبالتنسيق مع الشريك الصيني الكبير

- المشروع الأميركي البديل كان عاصفة خماسينية بمسمى الربيع العربي محورها تشكيلات سياسية تستمد شرعيتها من الإسلام لا من مفهوم الدولة الوطنية هذا المفهوم الذي عجز عن الجمع بين مصادر القوة من جهة ومنح المشروعية للهيمنة الأميركية وفي قلبها أمن إسرائيل من جهة مقابلة فمن كان فيما عرف بحلف الإعتدال فقد المشروعية والقوة  كحال تونس ومصر و من إمتلك القوة والمشروعية وحافظ عليهما كان في حلف المقاومة والإستقلال كحال سوريا وإيران بينما حيث المشروعية ترتبط بالإسلام المهجن والمدجن كحال تركيا والسعودية فبدا الجمع بين المشروعية والقوة والشعبية والتبعية قابل للحياة فكان مشروع الإستبدال الذي شهدناه لحساب الأخوان المسلمين رهانا على قدرته أن يملء الفراغ والأهم ان يواصل تدحرجه لضرب الحلف الإقليمي الذي شكلت محوره الصاعد سوريا وإيران عبر إسقاط سوريا بالفتنة المذهبية ومحاصرة إيران بها ومنع تحول العراق واسطة تواصل بينهما و تحجيم حزب الله وسط دوائر الحصار والإضعاف

- المشروع الروسي كان بالمقابل التعامل مع مفهوم الدولة الوطنية و إحترام الخصوصية الإستقلالية للكيانات بخلفياتها الثقافية والدينية وخياراتها المستقلة والسعي لملء الفراغ بتشكيل جبهة  راغبين من جهة وإعتبار المدى الروسي الحيوي في هذه المواجهة البحار من جهة أخرى و المقايضة على مشاريع  التسلح والدروع الصاروخية الأطلسية في لحظة تراجع إقتصادي ضاغط على الغرب وعجز عن دخول المزيد من الحروب

- الفصل بين المشروعين كان وبقي ما يجري في ميادين المواجهة وخصوصا ساحات الإشتباك السورية والكورية بعدما بقيت إيران ساحة صمود و إسناد و حصنت وجودها كمحور تفاوض وتمكن حزب الله من إثبات مكانة تتعدى اللعبة اللبنانية و صار شريكا في رسم الخارطة الإقليمية

- حصيلة سنتين ونصف من المواجهة تضمنت الكثير من الحوادث المفاجئة التي تخلق ملفات لم تكن مدرجة على جدول الأعمال الروسي الأميركي خصوصا في مجال التعامل القانوني المتبادل مع المواطنين والرعايا الوافدين بين البلدين ولكن بصورة أخص الملفات الإستخبارية التي يبدو أن قضية سنودن باتت عنوانا لها وتختصر تعقيداتها  بسبب حجم الملفات الدسمة التي بين يدية ككنز معلوماتية لا ينضب في خصوصيات رؤوساء وملوك وأمراء حلفاء لواشنطن كانت تمسكها بيدها أوراق ضغط عليهم وجاءت فرصة موسكو للإستيلاء عليها عبر حواسيب سنودن بعدما كانت واشنطن قد إستفزت موسكو مرارا بإستقبال كل المنشقين عن جهاز المخابرات الموسكوفي طوال عقود دون الإستعداد للبحث في أي تسوية بمنتصف الطريق لهذه الملفات

- ملفات سنودن والمخبرين المنشقين ومستقبل الدرع الصاروخية والسلاح الإستراتيجي ليست إستعصاء أبديا فالذي يقرر مصيرها توزان القوى الإجمالي الناتج عن المواجهات في ساحات الإشتباك

- يواجه المشروع الأميركي أربعة عوامل إضعاف وإستنزاف الأول هو صمود وتقدم نظام الرئيس بشار الأسد وإستحالة الحديث عن سوريا بدونه بعدما صار سقف البحث والسعي الأميركي مع الحلفاء هو إعادة التوازن لتوفير فرصة تفاوض والثاني إنهيار مشروع الأخوان المسلمين في مصر وثبات إستحالة إعادة تعويمة مهما قدمت له مصادر الإنعاش  والثالث أن الزمن يضغط واشنطن في هذه المتغيرات يضغطها ايضا كلما إقترب موعد الإنسحاب من افغانستان و الرابع أن هذا الزمن المستنفذ يضغطها اكثر و أكثر في تبلور حقيقة إستراتيجية جديدة وهي أن كل الإسلام التابع لها لا يبدو قادرا ومؤهلا للقتال ما لم يستند لقوة الإسلام المقاتل التي يمثلها تنظيم القاعدة ومفرداته و فروعه وتشكيلاته المختلفة حتى صار الخطر حقيقيا لا بل داهما كما قال تقرير وكالة المخابرات الأميركية من تونس وليبيا ومالي والجزائر واليمن وسيناء وصولا للبنان والعراق ولكن وخصوصا سوريا

- في قلب هذا الإرتباك الذي يجتاح كل الساحات الحليفة لواشنطن بعد تحول مصر و تركيا في ظل الأخوان من مصدر قوة إلى مصدر قلق وتبدو الخسائر متتالية في تونس وليبيا واليمن لكن تبدو السعودية الحليف الوحيد المتماسك و القادر على ممارسة الشراكة الكاملة خصوصا بعد إنهيار الدور القطري بصورة دراماتيكية مع الفشل في سوريا وتاليا في مصر

- واشنطن منحت السعودية دور الإمرة وضبطت توقيتها على الساعة السعودية في سوريا لتعديل التوازنات و في مصر لإحتواء التغييرات والدور السعودي الإحتوائي المناط بصورة خاصة ببندر بن سلطان منسق إسرائيليا لكنه تكتيكي لأسابيع وشهور وليس لمالا نهاية

- حصيلة القيادة البندرية لا تزال الفشل من لبنان إلى سوريا ومصر وآخرها كان توريط البيت الأبيض بإلغاء القمة مع الكرملين للمقايضة المشتركة على ملفات سنودن بوعد أجوف على ضربة محكمة تطيح الأسد بعملية إغتيال مدبرة ثبت أنها مجرد عملية ممولة جيدا نفذتها إعلاميا مجموعة من مافيات العمليات بقذائف هاون لم تحصد إلا الفشل وفي حسابات الأمنيين قيمة هذا الموعد الفاصل لعيد الفطر أنه الفرصة الوحيدة الجدية للنيل من الأسد بعدما تبين أن التخلص من شخصه صار آخر الرهانات فموعد العيد والصلاة لا يمكن تغييرهما وغياب الأسد عن الصلاة إنتكاسة معنوية في ظل إنتصارات جيشه لكنها مناسبة تختلف امنيا عن كل أنشطته و مخاطراته المفاجئة سواء في داريا او في سواها والمساجد مكان محدد للصلاة وإحتمالاتها محدودة بعدد أصابع اليدين في دائرة الأمن القريب من مقر الرئاسة وطرقاتها ممرات تشكل آخر الفرص وبعد إستنفادها بالفشل  يسلم الأمن الميركي بالهزيمة النهائية في سوريا بعدما كانت هذه هي طريقته المتبقية لما أسماه إعادة التوازن ولم يعد يرى إلا الخطر القاعدي الآتي

- التغير الحاصل بين إلغاء قمة بوتين أوباما ولقاء كيري لافروف و المناخين المختلفين خصوصا تجاه سوريا والإصرار على نجاح جنيف -2  والتسليم بضرورة الإسراع في الحل السياسي يفسره الفشل السعودي من جهة والتعاظم القاعدي من جهة اخرى لكن الأكيد أن واشنطن تدرس من الزاوية الإستراتجية معادلة آسيا الجديدة بعيون بعيدة عن الغضب والإنفعال وليس معها وقت وهي تعلم أن موسكو تستفيد من  قوة حلفائها لكنهم ليسوا اوراقا تفاوضية في ملفاتها كي تراهن على قدرتها بالضغط عليهم

- المستوى الإستراتيجي في العقل الأميركي ينتقل من التسليم بخسارة البر الاسيوي للبحث في مستقبل البحار فالبحر الأسود صار روسيا والبحر المتوسط قانون شراكة روسية أميركية و بحر العرب والخليج شراكة أميركية إيرانية و بحر قزوين شراكة إيرانية روسية وبحر الصين شراكة اميركية صينية ويبقى البحر الأحمر أميركيا ما بقيت مصر تحت السيطرة

- تحول أميركا إلى قوة محيطات لا مكان لها في بحار آسيا أكبر من قدرة أميركا على تحمله بما يعنيه القبول بالتحول لقوة دولية عظمى  لا ابعاد إقليمية لها فالتشارك مع الروس والصينين والإيرانيين في البحار الثلاثة الحاسمة غير دائم  فإمتلاك خصومها ثلاثة بحور لهم يتشاطرونها سيمكنهم من بحار الشراكة مع واشنطن لاحقا يستفردون بها  حكما لأن وجود البر بيدهم يلعب لصالحهم لا لصالحها

- التأخر الأميركي في التموضع  الجديد نحو التفاوض ينتظر مستقبل مصر والرهان على تطوير الحضور في البحر الأحمر وما يعنيه من  تركيز مقبل على السودان وإستعادة القواعد الأميركية في السعودية ومصر والعين على سيناء

- شهر مفصلي يتقرر عبره  المشهد المصري ومصير الأخوان فيه ويتقرر معه مستقبل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على ضوء الموقع الجديد لحماس المرتبط بكيفية تبلور مصير الأخوان في مصر و حجم الحماية الأميركية لهم فإن جنحت عنهم طارت المفاوضات بجنوح حماس لإيران مجددا وإن تمسكت بهم خسرت البحر الأخمر وتجذرت ضدها خيارات العسكر

- حيص بيص أميركي في شهر آب فسر نتيجته لافروف بالقول أن القمة الأميركية الروسية تأجلت ولم تلغ

 

ناصر قنديل

11/8/2013

nasserkandil@hotmail.com

 

2013-08-11 | عدد القراءات 17408