لم يكن خافيا حجم الإحتجاج الإسرائيلي السعودي التركي المتفاوت الأسباب والأحجام على التفاهم النووي لدول الغرب مع إيران ، والإحتجاج لا يتصل بمضمون التفاهم من الزاوية التقنية رغم كل إدعاءات المحتجين ، بل يطال مبدأ خروج إيران غير مهزومة من المفاوضات ، ونيلها إتفاقا يكرسها كدولة نووية قانونية ، من دون أن ينجح الغرب بفرض شروطه السياسية عليها ، وخصوصا التسليم بوجود إسرائيل ووقف دعم المقاومة من جهة ، ومرجعية الإقليم السعودية جنوبا وتركيا شمالا من جهة أخرى.
بين التفاهم المبدئي والتفاهم النهائي مفاوضات تقنية صرفة ، ستتوج بالتوقيع الرسمي الذي ينهي العقوبات عن إيران فتعود لسوق النفط بأربعة ملايين برميل يوميا بدلا من ربع الكمية حاليا ، وتسترد مئة وعشرين مليار دولار من ودائعها المجمدة ، وتفتح لها الأسواق العالمية بيعا وشراءا ، وتزدهر حياتها المصرفية وبالتالي تقوى صناعاتها وتنتعش زراعتها بالتصدير .
تطبيع العالم لعلاقاته بإيران ، يعني تطبيع العلاقات تدريجا بحلف المقاومة وخصوصا سوريا ، طالما سلم الغرب بمكانة الدرجة الثانية لحلفائه بالمنطقة ، وإرتضى القبول بإيران رئيسا للنظام الإقليمي الجديد عمليا ، بمنح إيران مرتبة متقدمة على جميع دول المنطقة في العلاقات الدولية السياسية والإستراتيجية والإقتصادية .
خمسون يوما تنتهي في الثلاثين من حزيان ستكون آخر ما يتبقى للسعودية وتركيا وإسرائيل لتغيير المعادلات ، وقد جرب الإسرائيليون تغييرها من عملية القنيطرة لحجز مساحة حزام أمني حول الجولان يتمدد نحو لبنان جنوبا بإتجاه مزارع شبعا وشمالا نحو القلمون ويفصل لبنان عن سوريا ، وكانت عملية الردع في مزارع شبعا ، فإرتضى الإسرائيلي التخلي عن خيار الحرب ، وهو يرى بأم العين الجيش السوري يتقدم جنوبا ليفصل محافظتي القنيطرة ودرعا من دير العدس ، وينهي فرص الحزام الأمني ، والتركي جرب حظه سوريا في إدلب بدعم تسملها من جبهة النصرة ، لكنه لا يتجرأ على التورط مباشرة في حماية النصرة ، لأنها حرب شاملة ستكون تنتظره إذا قرر الجيش السوري ساعة الصفر لإسترداد إدلب .
يرتبط الإسرائيلي أكثر من التركي بنتائج حرب السعودية على اليمن ، فلدى التركي مخرج خلفي عبر العلاقة مع إيران لحفظ دور في التسويات ، بينما لا مكان للإسرائيلي في أي تسوية ، مقابل عنجهية سعودية رفضت خيار التسويات وهي تفترض قدرتها على قلب الطاولة .
راهن السعوديون على توريط إيران بحرب مباشرة لا يستطيع الأميركي تجنب التورط فيها وتكفي وحدها لقلب الطاولة ، فكانت هذه إحدى وظائف حرب اليمن ، وفوتت إيران الفرصة .
في حال عدم التورط الإيراني توهم السعوديون سقوط اليمن بيدهم سريعا ، ويكون مدخلهم لمفاوضات بسقوف متوازنة ، ففشلوا وهم يدخلون الأسبوع الأخير من الشهر الأول دون تحقيق اي إنجاز حقيقي ، وفهم الإسرائيلي أن رهانه على الحرب السعودية بدأ يفقد اسباب تحقيق اي من ألأهداف المرجوة .
يعرف السعوديون أن فشلهم سيعني في أي تسوية ، مكانة مختلفة عما قبل ، وهم يسعون بثقلهم لمخرج مشرف مع نهاية الحرب ، ولا يزال الإستثمار على إستفزاز إيران هو الطريق الوحيد للوصول إلى هذه المخرج ، وكلما مر الوقت ظهرت إستحالته .
لم يستخدم الحوثيون بعد ايا من اوراق قوتهم في الرد ، ولن ينتظروا طويلا ، حتى يبدأ ، وعندها ستتغير سقوف التسويات للأسوا بالنسبة للسعودية ، وربما تدخل المقاومة على خط الحرب بخلفية التصدي للدور الإسرائيلي المتخفي وراء التحالف ، والهادف لإستباق ولادة دولة يمنية قوية تكون شريكا للمقاومة في أي حرب قادمة ، وكلما مر الوقت نحو الثلاثين من حزيران صارت التسوية اسوأ للسعودية والحرب أشد سواءا .
يستطيب القط لحس المبرد ، وهو يلعق دماءه ، ولا ينتبه إلا عندما ينطقع لسانه فيقرر التوقف ، لكن بعد فوات الأوان .
أليست هذه هي خلاصة ما أراد السيد نصرالله قوله للسعوديين ، عن أخر الفرص ، وعن رفعه شعار كفى ، كفى تحميهم من السقوط المدوي ، فهل وصلت الرسالة ؟
2015-04-18 | عدد القراءات 3225