خمسون يوما حاسمة - ناصر قنديل

لم يكن خافيا حجم الإحتجاج  الإسرائيلي  السعودي  التركي  المتفاوت الأسباب والأحجام على التفاهم  النووي  لدول الغرب  مع إيران ، والإحتجاج لا يتصل بمضمون التفاهم من الزاوية التقنية رغم كل إدعاءات المحتجين ، بل يطال  مبدأ خروج  إيران غير مهزومة من المفاوضات ، ونيلها إتفاقا يكرسها كدولة نووية قانونية ، من دون أن ينجح الغرب بفرض شروطه السياسية عليها ، وخصوصا التسليم بوجود إسرائيل ووقف دعم المقاومة من جهة ، ومرجعية الإقليم السعودية جنوبا وتركيا شمالا من جهة أخرى.

بين التفاهم المبدئي والتفاهم النهائي مفاوضات تقنية صرفة ، ستتوج بالتوقيع الرسمي الذي ينهي العقوبات عن إيران فتعود  لسوق النفط  بأربعة ملايين برميل يوميا بدلا من ربع الكمية حاليا ،  وتسترد مئة وعشرين مليار دولار من ودائعها المجمدة ، وتفتح  لها الأسواق العالمية بيعا وشراءا ، وتزدهر حياتها المصرفية وبالتالي تقوى صناعاتها وتنتعش زراعتها بالتصدير .
تطبيع العالم لعلاقاته بإيران ، يعني  تطبيع العلاقات تدريجا بحلف المقاومة وخصوصا سوريا ، طالما سلم الغرب بمكانة الدرجة الثانية لحلفائه  بالمنطقة ، وإرتضى القبول بإيران رئيسا للنظام الإقليمي الجديد عمليا ، بمنح إيران مرتبة متقدمة على جميع دول المنطقة في العلاقات الدولية السياسية والإستراتيجية والإقتصادية .
خمسون يوما  تنتهي في الثلاثين من حزيان ستكون آخر ما  يتبقى للسعودية وتركيا وإسرائيل لتغيير المعادلات  ، وقد جرب الإسرائيليون تغييرها من عملية القنيطرة لحجز مساحة حزام أمني  حول الجولان يتمدد نحو لبنان جنوبا بإتجاه مزارع شبعا وشمالا نحو القلمون ويفصل لبنان عن سوريا ، وكانت عملية الردع في  مزارع شبعا ، فإرتضى الإسرائيلي التخلي عن خيار الحرب ، وهو يرى بأم العين الجيش السوري يتقدم جنوبا ليفصل محافظتي القنيطرة ودرعا  من دير العدس ، وينهي فرص الحزام الأمني ، والتركي جرب  حظه سوريا في إدلب  بدعم تسملها من جبهة النصرة ، لكنه لا يتجرأ على التورط مباشرة  في حماية النصرة ، لأنها حرب شاملة  ستكون تنتظره إذا قرر الجيش السوري  ساعة الصفر لإسترداد إدلب .
يرتبط الإسرائيلي أكثر من التركي بنتائج حرب السعودية على اليمن ، فلدى التركي مخرج خلفي عبر العلاقة مع إيران لحفظ  دور  في التسويات ،  بينما لا مكان للإسرائيلي في أي  تسوية ، مقابل عنجهية سعودية رفضت خيار التسويات وهي  تفترض قدرتها على قلب الطاولة .
راهن السعوديون على توريط إيران بحرب  مباشرة لا يستطيع الأميركي  تجنب التورط  فيها وتكفي  وحدها لقلب الطاولة ، فكانت هذه إحدى وظائف حرب اليمن ، وفوتت إيران الفرصة  .
في  حال عدم التورط الإيراني توهم السعوديون سقوط اليمن بيدهم سريعا ، ويكون مدخلهم لمفاوضات بسقوف متوازنة ، ففشلوا  وهم يدخلون الأسبوع الأخير من الشهر الأول  دون تحقيق اي إنجاز حقيقي ، وفهم الإسرائيلي أن رهانه على الحرب  السعودية بدأ يفقد اسباب تحقيق اي من ألأهداف المرجوة .
يعرف السعوديون أن فشلهم سيعني في أي تسوية ، مكانة مختلفة عما قبل ، وهم يسعون بثقلهم لمخرج مشرف مع نهاية الحرب ، ولا يزال الإستثمار  على إستفزاز إيران  هو الطريق الوحيد  للوصول إلى هذه المخرج ، وكلما مر الوقت ظهرت إستحالته .
لم يستخدم الحوثيون بعد ايا من اوراق قوتهم في الرد ، ولن ينتظروا  طويلا ، حتى يبدأ ، وعندها ستتغير سقوف التسويات للأسوا بالنسبة للسعودية ، وربما تدخل المقاومة على خط الحرب بخلفية التصدي للدور الإسرائيلي المتخفي وراء التحالف ، والهادف لإستباق  ولادة دولة يمنية قوية تكون شريكا للمقاومة في أي حرب قادمة ، وكلما  مر الوقت نحو الثلاثين من حزيران صارت التسوية اسوأ للسعودية والحرب أشد سواءا .
يستطيب القط  لحس المبرد ، وهو يلعق دماءه ، ولا ينتبه إلا عندما ينطقع  لسانه فيقرر التوقف ، لكن بعد فوات الأوان .
أليست هذه هي خلاصة ما أراد السيد نصرالله قوله للسعوديين ، عن أخر الفرص ، وعن رفعه شعار كفى ، كفى تحميهم من السقوط  المدوي ، فهل وصلت الرسالة ؟

2015-04-18 | عدد القراءات 3225