حين أصدر والي الشام العثماني جمال باشا أحكامه بحق عدد من الوطنيين والمثقفين في دمشق وبيروت بالإعدام شنقاً بعد محاكمة صورية وتنفيذ الأحكام على دفعتين بالتزامن في كل من ساحة البرج البيروتية والمرجة الدمشقية ثبت سفاح السلطنة تلازم مسار النضال والمصير المشترك لقلب بلاد الشام النابض قبل أن تحاول خرائط سايكس بيكو كسر وحدة الدم بين دمشق وبيروت.
يُجمع السوريون واللبنانيون على أن إعدام السفاح لرموز الثورة في سورية ولبنان شكل لبنة التحرر الأساسية لبلديهما من نير الإستعمار والعبودية وأثبتت التطورات اللاحقة أن المشانق التي نصبت لم تكن لمجرد التخلص من عشرات النافذين في الساحة السياسية والإجتماعية إنما لخنق مشروع نهضوي عروبي واضح الخيارات بعيداً عن أية اصطفافات عرقية ومذهبية وهو ما كان يثير ذعر العثماني الملوثة سلطنته أنذاك بمجازر الأرمن والسريان والكلدان والأشوريين في أكبر جريمة إبادة جماعية عرفها التاريخ فأبى إلا أن يعمم نموذج فكره الإقصائي في بلاد الشام بما يدحض تبريراتها لسلوكها بحق من استهدفتهم المجازر.
فشلت المشانق بإخراج الجغرافية والديموغرافيا من سياقاتها المترابطة والتي تعود لبدايات الإستيطان البشري في المنطقة قبل مليون سنة من الميلاد في مرحلة الصيد والالتقاط وأصرت على أن المصير الذي يتربصها واحد بغض النظر عن إدعاءات المروجين للمشاريع الغربية في المنطقة آنذاك من الفرانكوفونية الأم الحنون إلى مشروع الدويلات الطائفية بصيغه المختلفة والذي لم يغب يوماً عن التداول في أروقة المخططين لوضع يدهم على المنطقة.
بعد قرن عاصف مر على المنطقة تعاقبت خلاله مشاريع ومخططات وتبدلت أشكال ووجوه المستعمرين بقيت وحدة الدم والمصير السورية اللبنانية الثابت الوحيد الذي رسخته السياقات التاريخية للمنطقة بالإضافة لناصب المشانق العثماني كرأس حربة في الهجوم على القرار السوري اللبناني.
عشية ذكرى شهداء أيار ذكّر سماحة السيد حسن نصر الله بوحدة الاستهداف السوري اللبناني والمتجلية بالحرب على سورية التي وصلت نيرانها الى الداخل اللبناني ولعل التأكيد بقرب معركة القلمون كضربة حاسمة بوجه الإستهداف المشترك بالإضافة لما تمثله منطقة القلمون من جسر سوري لبناني يؤكد صوابية وجه نظر شهداء أيار عام 2015 ، فيما شكل تأكيد الرئيس بشار الأسد بلقائه أبناء وبنات الشهداء بالذكرى بأن القاتل العثماني ما زال ذاته منذ قرن ،بما يشكل الدليل الأنصع باستمرارية المشروع المعادي للخط العروبي الواحد المستمر منذ ما قبل عهد السلطنة ، وخير رد على مروجي فرضيات استهداف لبنان في الحرب على السورية كردة فعل على تدخل حزب الله في الداخل السوري متناسين أن تعليق المشانق في بيروت تم قبل ظهور حزب الله في لبنان وقبل تنامي ما يدعيه منظري المشروع الغربي بالمد الإيراني الشيعي في المنطقة.
خلال قرن من مواجهة سورية ولبنان مشاريع الغرب دفعت ثمن بقاء ترابها من دماء أبنائها التي رسخت وقوّت مقومات وحدتها فحين دفع الشعب السوري دماء ما يزيد عن خمسة عشر ألف من أبنائه في صفوف الجيش العربي السوري على الأرض اللبنانية لم يضحي بها هباءً أو في حرب عبثية وحين يرقد أبناء الجنوب اللبناني في الثرى السوري وتستقبل نساءه الشهداء المعطرين بعبق التراب السوري لا يسألون عن ثمن ولا عن أجر وتبعات تتخطى عمق الانتماء لهذه الأرض الواحدة.
بعد قرن من إعدام شهداء أيار تبقى أرواح الشهداء حامية لوحدة الدم والمصير بوجه العثمانيتين.
2015-05-06 | عدد القراءات 2085