صباحاتكم ياسمين وشرفات أمل و إشراقة جمال وطيب - ناصر قنديل

جاء الصباح متسائلا عن سر الشرفة التي ينتظر الناس قدومه عبرها فتأمل أشكالا وأنواعا منها قديمها وجديدها ، كبيرها وصغيرها ، ما ضاق على طاولة و كرسي ، وما إتسع منها لمجلس أصدقاء ، فأحس بالقهوة على الشرفة ، تتعانق مع الرشفة وقال هذا أول الأسرار ، تشابه طباق وجناس الكلام موسيقى الحياة الأزلية ، و وجدها فرشة زهور أغزرها الياسمين ، فتدور حول أحرف الفراشة ، وتنسج منها كلمات وكلمات ، ولما تغادر الفراشة آخر نسيج خيوط الليل يطل الضوء ، فيكون الصباح ، ووجد البيوت بلا شرفات علبا مغلقة بلا حياة ، من الصين إلى الأندلس ، تتغير الشرفات وتبقى الحياة ، فالبيت بلا شرفة مهما ضاقت ، كجسد بلا رئة ، او حب بلا شفقة ، أو عشق بلا إنتظار ، كحزب بلا نقاش ، كمعارضة تشعل ضوء الانعطاف يسارا وتنعطف على أول يمين ، فتحاضر بعفة الديمقراطية من حضن قطري او سعودي ، وقال بيت بلا شرفة لا روح فيه ، و إنتظار على غير الشرفة لا إنتظار كالقول متى جئت فأنا هنا ، و قال الصباح للقلب شرفة منها ينتظر سماع دقاته السريعة لهفة او خوفا أو لقاء عاشق ، وللعين شرفة منها تنتظر تلقف دمعة اللقاء الأول والوداع الأخير ، وللأوطان شرفة منها ترى المستقبل الاتي ، والشرفة نصف حلم ونصف حقيقة ، ففيها تصنع الصلة بالشارع حيث الحلم وبداخل المنزل حيث الحقيقة ، نتفقد الباعة وننشئ معهم في سرنا علاقات ونروي لهم حكايات ونسمع منهم قصصا ، دون أن نحدثهم ويحدثوننا ، حتى ندمن و يدمنون ، صوت قدوم الصباح من الشرفة يختلف عن تسلل ضوئه تحت ريف العين من وراء ستارة غرف النوم ، حيث الرائحة تصاحب الصوت ولا تعترف بالضوء ، قوة وتدفق الحياة على الشرفة وسكون البرود من دونها ، فكم مرة من شرفة القلب تمتد أيدي العناق ، ومن شرفة العين ينطلق دعاء الأمل والرجاء ، ومن شرفة العقل يكتب الشعر و الفلسفة ، ومن شرفة الوطن تنسج الأحلام الكبيرة ، ولما وصل الصباح لنهاية جولته قال ضعوا على شرفاتكم بعض الياسمين الدمشقي فوحده بين الزهور يليق بقدومي ، فهو منذ الأزل يشبه بياض حضوري ، وفوح عطوري ، ولكل زهرة من زهوره شرفة تصنعها بأوراقها تتدلى كالشفة السفلى لقبلة الإنتظار وتندلق منها قارورة عطر على وجوه المنتظرين ... صباحاتكم ياسمين وشرفات أمل و إشراقة جمال وطيب

2014-10-31 | عدد القراءات 2003