جاء الصباح بين حبات المطر يسمع حوارها ، حبة تقول للأخرى هل تذكرين عندما مررنا على منطقة تشتعل بالاشتباكات وإطلاق الرصاص ، وكان المسلحون يشبهون رمايتهم بزخات المطر ، فقالت الحبة الأصغر بين زميلاتها ، إنتبهوا أن حبة المطر عندما تصطدم بالرصاص تبقى حبة مطر ولم يحدث أن نجحت رصاصة بتفتيتها ، فقالت الحبة الأكبر لا تتفتت حبة المطر إلا عندما تسقط في حضن وردة تتفتح فتصير حبات أصغر وأصغر و تتلاشى ، حتى تفوح عطرا ، ألا تنتبهن أن العطر السائل هو إعادة الخليط بين رحيق العطر والمطر ،وأن الحبة منا تكفي لقارورة عطر ، وأن كل ما يأتينا بالقوة يفشل وما نذهب إليه بالحب نذوب فيه ، فتنبهت حبة ثالثة للحوار والصباح يسمع ، وقالت ، عندما نترنح فوق التراب يخرج عطر الأرض ، وما فيها من تاريخ وذكريات ، فتنبعث رائحة لا يختزنها عطر واحد ، ويشمها الناس كل بحال ، من يحسها لحنا حزينا فيسمعها ولا يشمها ، ومن يحس تحت لسانه مذاق المرارة ، ومن يملء رئتيه نفسا عميقا ويقول ، الله إنها رائحة التراب ، ما أجمل الشتاء ، وآخر يقول إنه عبق الشهداء ، فتلفت الصباح ليشهد لمع البرق و طغيان هدير الرعد على أزيز صوت حبات المطر المنهمرة كشلال ، و تذكر حوار التراب مع المطر والبرق والشراكة التي ينشئونها لتوليد نبتة الكما أو نبات الفطر وكيف يضع كل منهم أفضل ما عنده ، فتنغمس الحبات المتراقصة بذرات التراب و يصعقها البرق بشحناته الكهربائية لتتشكل لبنة خير يتزودها الفلاحون بركة موسم الشتاء ، وكيف يتحول المطر حبة حبة إلى رذاذ مع نسمة هواء ناعمة تلفح وجه عامل الفرن وبائع الخضار وباعة الصحف في المدينة ، بينما الريح العاتية تكتل حبات المطر وتجمعها وترص صفوفها فتصير أشد قسوة ووطأة ، فتصير عبرة جديدة لحكمة المطر مع الحنو واللين ، وغضبه بوجه القسوة والإكراه ، ولما إقترب الصباح من موعد الوصول ، تطلع يمنة ويسرة فرأى إمرأة عجوز تضع شتلة الحبق تحت مزراب بيتها و تقول اللهم إجعله موسم خير ، بينما وجد صاحب المصرف في المدينة يقول ،سيرتفع سعر الين اليوم وينخفض اليورو لأن الزراعة ستنتعش وشركات النقل ستتعثر ، فرمى الصباح كمشة تراب بين قدمية وتركه يتزحلق في بورصة الأسعار ، بينما حمل شتلة الحبق بين كفيه و أزاح غيمة عن الشمس ليطل النور على العجوز ، وتقول ها قد جاء الصباح أنار الله صباحاتكم بخير المطر و النور ، و الصباح يحمل عبرة حبات المطر يوزعها على البشر وكيف تذوب حبا و يجمعها الخطر ... صباحكم خير ونور ومطر
2014-11-01 | عدد القراءات 2052