صباحكم رضا - ناصر قنديل

لم يكن الصباح قد حسم أمره بعد ، عندما عشق الليل ماذا عساه يقول له ، فكلما هم بالرحيل يجده خلف الباب منتظرا لساعات يتلصص عليه ويطمئن لرحيله و حلول الظهيرة والعصر والمغرب فيظهر بحلته البهية ونجومه الساحرة التي يفتتن بها الصباح ويستعد كل يوم ليلاقيها ، و لم يعلم ما إذا كان حضور الليل لمراقبة رحيله والإنتظار مختبئا علامة خجل أم إحترام أو تهرب من اللقاء ، ولكنه كلما هم بالمجيئ إليه ليلاقيه و صدره يضج بالعواطف و أنفاسه تلهث للقاء والعناق ، و معه ألف وردة ووردة تتفتح و ألحان عصافير تشدو ، يلتفت خلفه فيراه قد إنسحب ومضى و إذ يلملم الليل أطرافه ويرحل ، فحار في أمره هل هي خشية اللقاء الأول ، فلو لم يكن يرغب به لما كان هذا الإصرار على الملاحقة ، ولو كان عاشقا مثل الصباح لغلبته اللهفة والرغبة ولو لمرة ، لتعلو على خجله أو خفره ، و قال الصباح في سره ، علي أن أحترم رغبته بالبعد وأن أتقبل الحبيب كما هو لا كما أحب أن أراه ، و يكفي أن لحظة اللقاء السريعة تتكرر بلا إنفطاع فترسم البسمة على شفاهنا ووجوهنا ، و تتيح لي رؤية جمال عينيه نجوما مضيئة يشعل بريقها في داخلي نارا لم تطفئها رياح وعواصف شتاء ولا حجبها حر صيف ، فلماذا أتطلع لما هو أكثر وتكون النتيجة ما هو اقل أو الحرمان ، لكن خشرية الصباح دفعته مرة للمجيئ مبكرا متخفيا ينتظر موعد طلوعه خلف نجمة إسمها نجمة الصباح ، فوجد الليل ، يهتم لأمر العشاق والعمال والكتاب و ينظم صدور الصحف وبرامج التلفزة و يغطي تسلل المقاومين وعلى ظهره عبء هموم لا تنقطع ولا يتحمل ضميره تركها ، فكما يرتبط بالصباح باعة الصحف يرتبط بالليل كتابها وكما ينتظر الصباح باعة الخضار والفاكهه يشتغل في الليل قطافها ، وعلم أن تساكنه بلحظات عاجلة بين القدوم والرحيل هو قدر سعيد لا يبرر حزنا ولا عتبا بل شعور بالرضا ، لأننا إن أحبننا في الحبيب أن يكون كما نهوى كنا نعيد حب انفسنا فنطلب الحب مرتين مرة بأن يحبنا الغير ومرة بأن يكون على ما نرغب ولسنا نمنح حبا بالمقابل ... كونوا بالحب خفافا و إبقوا للحب شغافا ... قال الصباح وطبع قبلته على جبين الليل قبل أن يدعه يرحل ... صباحكم رضا

2014-11-08 | عدد القراءات 1817