صباحاتكم مقاومة ونصر ... وماء حديث عذب يجري في حدائق حياتكم - ناصر قنديل

قرر الصباح إختبار علاقته بالماء ، ففتح أصابع كفيه يحسب أين يلقاه وكيف ، فقال أولا عند سقوط المطر ، وثانيا عندما تنثر الرطوبة رذاذها مع المد والجزر على الشواطئ فجرا مع بدايات الطلوع ، وأخذ يحصي ، تناسل قطرات الندى على خد وردة تتفتح ، وشلال نهر يجري متدفقا لملاقاة أول شعاع ضوء ، وبينما هو يتخطى تعداد أصابع اليد الأولى ، رأى في بقعتين مختلفين مشهدين نادرين ، فقد شاهد أما في قرية في جنوب لبنان تواظب مع كل طلوع للصباح على إيقاظ أولادها ، ومناداتهم بالإسم وهي في الحقل المتصل بفناء المنزل تنتظرهم وقد عبأت لكل منهم إبريقا من ماء البئر ووضعته جانبا ، ولما يصل إليها ينحني ويلقي تحية الصباح ويفتح كفيه ليلتقط صابونة الغار ، وتسكب له الماء على سطح الكف اليمنى فيغسل بها يسراه وعينيه ثم يفرك يديه ووجهه ، ويتناول منها الإبريق ليقوم بسقاية حوض من احواض الحقل ويروح يملآ الإبريق ويسقي حتى يلتحق به ، أخاه يتسلم عنه المناوبة ، وهكذا بعد نصف ساعة يكون الذكور والإناث قد أنهوا التهيؤ للفطور يعدونه معا من بيض وألبان وخضار ، مصدرها بضع أغنام و قن دجاج ، قبل أن يتنكب كل منه حزمة كتبه وينتقل لمدرسة القرية ، فتتبع يوما بعد يوم عادات هذه الأسرة ، حتى بلغ العمر بهم سن النضوج وصار كل منهم في اسرته الخاصة ، فيحمل إبريقه ويمضي إلى عائلته ، فقال الصباح عندما تتوقف السقاية لحاكورة المنزل بحجة الضرورة و سكب الأم للماء بين راحتي كفي اولادها بداعي التمدن يضيع نبع حنان في العائلة ونفتقد التعلق بالأرض ولا نجد سبيلا لإسترداداهما ، لذلك قال الصباح ، هذا هو نبع المقاومة ، حنان أم وعشق تراب ، أما المشهد الثاني فكان وهو يدخل إلى الشام مع الفجر ، يشهد عمال الحدائق يمتشقون أجسادهم ، وبايديهم أنابيب الساقاية يغدقون من خيرها ماءا نقيا زلالا على حدائق الأرصفة ، ولما حلت الأزمة ووقعت الحرب ، وتناثر كل شيئ ، وتشظى المجتمع ، وإمتلآت الأخباربالأحاديث عن إنهيار الدولة وإنشقاق جيشها ، نظر الصباح في ذروة الخطر والخوف فوجد عمال الحدائق يعيدون الكرة ، فقال دولة يواظب ماؤها على التدفق فوق زهورها في ذروة الحرب لا تنهار ولا تهزها العاتيات وستنتصر ... صباحاتكم مقاومة ونصر ... وماء حديث عذب يجري في حدائق حياتكم

2014-11-10 | عدد القراءات 1907