الغياب القسري الذي فرضته الأزمة المالية التي تعصف بأميركا على الرئيس باراك أوباما عن قمة بالي بأندونيسا للدول المطلة على المحيط الهادئ كان مناسبة لتربع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عرش رئاسة النظام العالمي الجديد و الظهور بمظهر القيادة الكفؤ التي تحفظ التوازنات و تحمي حضور الاخرين حتى بغيابهم كما فعل بوتين بالإجابة عن غياب اوباما بكل لياقة وإحترام
لكن المشاركين في القمة لا يرون ان الأمر بغياب اوباما بل يعتبرون أن مواجهات ما مضى من القرن الواحد والعشرين تضع روسيا في موقع القوة الصاعدة الجاهزة للعب دور عابر للحدود بعقلانية سياسية وواقعية وحرص وقدرة على التحرر من روح الغطرسة الناجمة عن غرور القوة ومعها اهلية لمراعاة مصالح الاخرين وكمية من المصداقية في الوقوف مع الحلفاء وحفظ ماء وجه الخصوم وهي ميزات تعاكس الخصال التي تعبر عنها السياسات الأميركية التي سعت لإذلال روسيا يوم كان ذلك متاحا او واردا وسعت لشطب اوروبا وجاهرت بالأمرين قبيل غزوها للعراق ولم تتوانى عن توبيخ المنظمة الدولية مرارا عندما كانت لا تجد ما ينسجم مع طلباتها أو من يستجيب لأوامرها
حتى حلفاء واشنطن يميزون بين التعامل الروسي مع اميركا نفسها وهي تنهزم كخصم وبين التعامل الأميركي معهم وهم ينتصرون بها ولها وهم حلفاؤها واصدقاؤها لكن الميزات السياسية والديبلوماسية والأخلاقية لا تصنع الزعامات في العالم بل موازين القوة هي التي تتحكم ولهذا بدا ان جولات المواجهة التي إنطلقت مع المشروع الإمبراطوري الحربي الأميركي مطلع القرن قد رسمت من التوازنات ما يكفي خصوصا بعد تجاذبات مشروع الحرب على سوريا بما يمكن القول معه ان أميركا دخلت مرحلة الشيخوخة السياسية وان روسيا تتقدم ليس للمشاركة في تقاسم الجغرافيا الدولية بل لرسم معايير معادلة أبعد من حدود القطبية واللاقطبية
خبراء السياسات الدولية يرسمون المعادلة الجديدة وفق توصيف يرى أميركا الذئب المفترس الذي يلعب في الغابة ويلاحق الفرائس والضحايا وروسيا الأسد الذي يقيم معادلة التوازن والحماية اللازمة لمنع الفوضى وتحكم لغة الإفتراس بين المكونات التي تتشكل منها اللعبة الدولية فالذئب الأميركي صار مضطرا لإقامة الحساب لتدخلات الاسد الروسي في كل تطور مهم وصار يعلم أنه في كل ورطة قد يحتاج إلى مخرج يرسمه فلاديمير بوتين
لاعب الجودو بوتين يروض التوحش الأميركي في المصارعة الحرة بضربات تحت الحزام ثم يعلن وقف المباراة قبل إعلان منتصر ومهزوم وهي ما يسميه الخبراء بالهزيمة المشفقة ليستحق بوتين صفة رئيس النظام العالمي الجديد
2013-10-07 | عدد القراءات 4087
