التطورات التي تشهدها كل من ليبيا وتونس تعطي فكرة أشد وضوحا عن الآفاق التي فتحها ما سمي بالربيع العربي امام مستقبل البلدان التي تمكن من تحقيق الفوز بها وإعلان انتصار الثورات تحت شعارات الحرية والديمقراطية .
ففي تونس جرت انتخابات المجلس التأسيسي ونشأت حكومة ائتلافية شاركت فيها القوى الليبرالية والقوى الإسلامية وبدأ بحث دستور جديد للبلاد تمهيدا لنقلة ثانية أشد رسوخا نحو الديمقراطية بعد تصفية ما سمي ببقايا النظام السابق .
في ليبيا و بعدما تكفل التدخل العسكري المباشر لحلف الأطلسي بتسليم المجلس الانتقالي مسؤوليات السلطة السياسية والعسكرية على أنقاض خراب عام للبلد وهلاك عشرات آلاف الليبيين جرى التحضير لانتخابات جاءت بمؤتمر وطني ذي وظيفة تأسيسية وتشكلت حكومتان واحدة انتقالية والثانية يفترض أنها راسخة الجذور وقادرة على الحكم بقوة نتائج الانتخابات .
في البلدين لعبت فروع الإخوان المسلمين دورا حاسما في الانتخابات وحازت كتلة وازنة مكنتها من تشكيل نواة التحالف الحاكم و قدمت شعاراتها النظرية الواعدة بالمشاركة والانفتاح والجدية في بناء دولة تحقق الأمن للمواطنين وتفتح الباب لتغييرات هيكلية في الاقتصاد والمجتمع لتجاوز الأسباب التي كانت سبب نقمة الليبيين والتوانسة على الأنظمة السابقة
الواضح للمراقبين الغربيين خصوصا كما تقول كتاباتهم أن تونس تعيش الفوضى السياسية والتفرد الأخواني بنسخته التونسية حركة النهضة و أن هذا التفرد في ظل الفوضى ترافق مع فشل ذريع للمرحلة التي قاربت الثلاث سنوات في حل أي من مشكلات التوانسة سواء السياسي منها كقضية التبعية للغرب الأوروبي والأميركي والتخلي عن الهموم والاهتمامات اللقومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي قدم في سبيلها التوانسة آلاف الشهداء على ترابها منذ العام 1948 أو في القضايا الاقتصادية والإجتماعية فزادت بصورة مرعبة اعداد العاطلين عن العمل ونسبة التضخم وتراجع النمو وارتفعت الأسعار و تصاعدت الصرخة الشعبية تحت وطأة سياط الفقر والتشرد وانعدام الخدمات العامة وتراجع أداء جهاز الدولة و زاد الطين بلة الفلتان الأمني بنمو القوى المتطرفة الملتحفة بالإخوان وما رتبته على تونس من فاتورة دماء مكلفة و من تورط في القتال بسوريا وصولا لاستقدام مئات الفتيات التونسيات تحت شعار المشاركة في جهاد النكاح مما هز المجتمع التونسي وقيمه و أصاب إستقراره الأخلاقي والثقافي والروحي .
في ليبيا تمكنت الميليشيات من تقاسم السيطرة على جغرافيا البلد النفطي الغني بالموارد ونالت القاعدة نصيبها من مناطق النفوذ والسيطرة وصارت ليبيا ساحة فوضى أمنية قاتلة كان آخر مبتكراتها خطف رئيس الوزراء بعد اقتحامات متتالية لمقرات الحكومة والمؤتمر الوطني و وصولا لقتل عدد من كبار ضباط الجيش و تهميشه عن أي دور حتى صارت امنية الليبيين تقف عند حدود استرداد الحد الأدنى من الأمن
يترحم كثير من ابناء تونس وليبيا على النظام القديم بعد هول فظائع ما حل بهم وتصر بعض نخبهم على فرصة لتصحيح المسار لكن دون أن يكون هناك أفق واضح لكيف يمكن أن يتم هذا و يقول الليبيون والتوانسة لمن يعرفونهم من السوريين إن الله قد وهبكم قيادة شجاعة ومنتبهة ومحتسبة حتى تمكنت من وقف زحف هذا السرطان الربيعي نحو بلدكم و يضيفون إذا كان من امل بالخلاص في تونس وليبيا فهو بانتصار سوريا على المشروع الأخواني وربيبته القاعدة حتى تتغير معادلات الوازن في المنطقة بوجه هذا المشروع .
صمود سوريا صنع الأمل للسوريين لكنه صنع الأمل أيضا لغير السوريين .
2013-10-25 | عدد القراءات 3020