دأبت أجهزة الإعلام المسيرة أميركيا في سياق حربها على المقاومة ، بتقديم صورة عنها تبعدها عن المهمة التي إتخذتها مشروعا وشعارا لها ولمجاهديها ، وهي مقاتلة إسرائيل لإغتصابها الحقوق والأرض والمقدسات وتهديدها المستمر بالعدوان .
في الستعينات يوم كانت المقاومة تقاتل لتحرير الجنوب كان الخطاب السائد بوجه المقاومة ، أنها مجرد ورقة تفاوضية بيد سوريا ، ويومها كانت المفارقة التي تربك معسكر دعم الإحتلال الإسرائيلي ومناوءة المقاومة في لبنان والعالم العربي وخارجهما ، هي أن المقاومة المدعومة بقوة من سوريا تقاتل إسرائيل بشراسة بينما سوريا طرف جدي ورئيسي في عملية تفاوض مع إسرائيل ، بدأت تحت إسم عملية مدريد مع نهاية حرب الكويت وفقا لوعود الرئيس الأميركي جورج بوش الأب للقادة العرب ، ومنهم الرئيس الراحل حافظ الأسد ، أن تحرير الكويت سيكون مدخلا لإطلاق مسار جديد في الشرق الأوسط ، يؤسس على التعاون الأميركي العربي حلا عادلا للقضية الفلسطينية .
إستمر هذا الخطاب بوجه المقاومة مع كل تصاعد في عملياتها أو إنخفاض في وتيرتها ، تشكيكا في صدقيتها الآخلاقية وتهوينا من قيمة تضحياتها ، والمفارقة أنه لحجم ما إشتد وصلب عود المقاومة فقد إستدعت قمة بين الرئيس الأميركي بيل كلينتون والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ، في نيسان العام 2000 ، لمحاولة تسويق تحسين المفاوضات وشروطها مع إسرائيل ، مقابل تأمين إنسحاب منسق لقوات الإحتلال الإسرائيلية من جنوب لبنان ، يحول دون تظهير هزيمتها عارية ومهينة ومذلة ، وبالتالي منع تداعياتها المعنوية على مجمل حالة الصراع ، وكان الأهم ليس فقط رفض الرئيس الأسد وتمسكه بالنصر النظيف للمقاومة كعنوان لإنتصار خيارها وجديته وجدواه ، بل لأن العبرة في الأمور هي خواتيمها ، فقد تحرر جنوب لبنان في أيار العام 2000 ، بينما كان التحضير لا يزال لجولات تفاوضية تواصلت وتقطعت ولا تزال عالقة ، والذي تحرر بفضل تضحيات المقاومة كانت الأرض اللبنانية وليست الأرض السورية ، وثبت أن المقاومة ليست ورقة تفاوض ولا حلفاؤها يفاوضون عليها .
مع تقدم الملف النووي الإيراني واجهة الأحداث عادت النغمة ذاتها ، و لم تنفع تضحيات وإنتصارات المقاومة في حرب تموز 2006 ، لسحب هذه المقولة من التداول ، فإستمرت النغمة من ذات الذي إعتبروا للمقاومة ورقة تفاوضية سورية ، فعادوا يصنعون لها دورا كورقة تفاوضية إيرانية لتحسين شروط التفاوض على الملف النووي ، ولما إنتصرت المقاومة في تموز ، قيل أن الأمر ليس لبنانيا ولا عربيا بل هو توظيف لدمار لبنان وتخريبه في خدمة مصلحة تفاوضية إيرانية ، وبنى هؤلاء المشيطنون للمقاومة وصورتها ونقاء وصدق مشروعها ، والمشككون بوطنيتها ، توقعاتهم مع بدء المفاوضات النهائية على الملف النووي الإيراني أوهاما حول تسخين قادم لجبهة الجنوب اللبناني لتزخيم أوراق إيران التفاوضية ، ولم يحدث طبعا ، وبنوا مقابل ذلك وهما قوامه ، أن التفاهم لن يتم ين الغرب وإيران دون أن يكون الثمن سحب المقاومة لقواتها من المشاركة في الدفاع عن سوريا ، و التسليم بمعادلة لبنانية جديدة في الحضن السعودي ، لتسهيل نجاح المفاوضات ، و ها هو التفاهم يبصر النور ، والمقاومة على سلاحها في سوريا وعلى مواقفها في لبنان .
الحقيقة المرة هي أن هؤلاء لن يتغيروا ولن يتبدلوا ، ورغم أن الحقائق ساطعة والصلات الإفتراضية التي ربطوا بها أنبل ظاهرة عربية معاصرة ، ثبت سقوطها ، سيخترعون صلات أخرى تشوه صورة هذه المقاومة ، لكن القافلة تسير والكلاب تنبح ، وعلى سيرة الكلاب ، وضعوا ذنب الكلب في التقويم عشرين عاما ، ولما فكوا عنه القالب عاد أعوجا .
2013-11-27 | عدد القراءات 4684