لبنان : حرب تحت الرماد – مقدمة نشرة اخبار قناة توب نيوز – 29-11-2013- ناصر قنديل

 

تتشكل الدولة بالأصل من شرطين متتممين لبعضهما البعض في كل بلاد العالم وعبر التاريخ الشرط الأول هو المهابة يجسدها حسب توصيف ابن خلدون الشرطي و الجابي أي آلة الأمن وآلة المال و الشرط الثاني مجموعة القيم التأسيسية التي يتكون منها ما يتم توصيفه بالعلم الحديث للإجتماع السياسي بالعقد الإجتماعي .

لم تكن الدولة اللبنانية معروفة بحدودها الراهنة قبل العام 1920 إلا مع إعلان المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو دولة لبنان الكبير فطوال خمسة قرون من الحكم العثماني وما قبلها كان لبنان هو جبل لبنان وكان الجنوب جزءا من فلسطين والبقاع والشمال جزءا من سوريا و الساحل مجموعة مدن منفصلة وشبه مستقلة شكلت في التاريخ القديم ممالك منفصلة وتدريجا شكلت مدن البحر التي تخدم تجارة المنطقة التي تحتضنها من الجغرافيا اللبنانية فكانت طرابلس تعرف بطرابلس الشام وصور الجنوب شقيقة عكا و بقي لصيدا خصوصية قربها من جبل لبنان ولبيروت شبه إستقلالية .

في ظروف الحرب الأهلية تفككت الدولة اللبنانية ففقدت الشرطين المكونين لما تفكك الجيش وسيطرت ميليشيات الطوائف على المالية جباية وإنفاقا وسقط العقد الإجتماعي أو منظومة القيم التي تجمع اللبنانيين .

تعيش الدولة اللبنانية اليوم حالا مشابهة رغم عدم وجود حرب اهلية معلنة لكن الحرب الأهلية الباردة الكامنة تحت الرماد اللبناني كجمر جاهز للإشتعال فالقوى الأمنية في حال شلل يقطع المسلحون طريق المصنع عند الحدود  الدولية خارج سياق اي مفهوم سلمي للإحتجاج ويملكون حق إقامة الحواجز والإعتداء على من يشاؤون من المارة على اساس سياسي أو طائفي و في طرابلس وتحت نظر القوى الأمنية يخطف الناس العاديون ويطلق الرصاص على أرجلهم تحت سمع ونظر القوى الأمنية وفي عرسال ووادي خالد تتصرف الجماعات المسلحة المناصرة للميليشيات المعادية للدولة في سوريا كأنها حكومة مستقلة بدعم ومؤازرة من قوى سياسية محلية مسلحة تحت يافطة تيار المستقبل وفي المخيمات الفلسطينية تقوم جزر أمنية تابعة لتنظيم القاعدة بالتمرد على الجهات الفلسطينية المعترف بها سياسيا وأمنيا من الدولة اللبنانية

منظومة القيم الجامعة للبنانيين ينفرط عقدها إلى آخر مدى بدءا من فهم عروبة لبنان في لحظة إنقسام عربي كبير وشامل يقف نصف اللبنانيين وراء السعودية ونصفهم الآخر مع سوريا فيما حرب سعودية سورية تندلع على كل المستويات و الأصعدة و في شكل الدولة ومضمونها السيادي تتحول رموزها وقيمها إلى مسخرة فتستدعي السعودية إلى قمة الملك مع الرئيس اللبناني ممثلها السياسي في لبنان سعد الحريري خارج أي منطق للدولة وإحترامها ولا يخرج في لبنان من يجعل مما جرى إنتهاكا سياديا مرفوضا ولا يرف جفن لمسؤول في الدولة على ما جرى وبالأمس يخرج الوليد بن طلال الحامل للجنسية اللبنانية متحدثا عن تأييد اي حرب تشنها إسرائيل على إيران دون أن يقيم حسابا للجنسية التي شرفته بها الدولة اللبنانية والتي تعتبر نفسها في حالة حرب مع إسرائيل بمعزل عما إذا كان هدف الحرب الإسرائيلية هو إيران أو سواها يشكل الترويج لها خدمة لعدو وترويجا له وإضعافا للروح  الوطنية

دولة وطنية تتآكل كأن الحرب الأهلية جمر تحت الرماد ولا ينقصها إلا عود كبيرت .

2013-11-29 | عدد القراءات 4357