التفاهم الروسي الأميركي على عقد مؤتمر جنيف للحل السياسي في سوريا ينتقل من مرحلة إلى مرحلة تجعله أقرب إلى الواقعية في الوقت الذي تبدو المعارضة السورية في أسوأ أيامها وأهليتها للمشاركة في صناعة الحل السياسي بعدما مرت هي الأخرى بمراحل متعددة في موقفها من الحل السياسي وجهوزيتها للمشاركة في متطلباته .
مراحل التفاهم الروسي الأميركي تدرجت بصورة معاكسة مع الشعور الأميركي بالقوة والقدرة وبالمقابل الشعور الروسي بالقلق والعجز ففي لحظة التفاهم بنسخته الأول .
قبل عام ونصف كان جنيف هو الثمن الذي قبضته واشنطن للإمتناع عن شن حرب على سوريا بوعد روسي مبهم بالتعاون لإنتقال للسلطة في سوريا من شكل الحكم الراهن إلى صيغة مناصفة بين بنية النظام وتكوين المعارضة وبقي مصير الرئاسة غامضا رغم ان الروس لا ينكرون أن الإيحاء كان بإعتبار الموضوع قابل للتفاوض بين الأطراف السورية وكان الروس يرون النظام في وضع عسكري وسياسي صعب ينتقل إلى الأشد صعوبة ويرون أن ما قبلوه مع الأميركيين هو أفضل الممكن لتفادي الأسوأ .
لا ينكر الروس ايضا انهم قاموا بالمماطلة عمدا لتضييع صيغة جنيف الأولى التي نجحوا بتركها غامضة في فتح الباب لصراع التفسيرات الذي يفترض ان تعبئ الفراغات فيه نتائج ميزان القوى التي كانت الدولة السورية وقيادتها واثقة من قدرتها على تغييره .
على ضفة موازية كانت المعارضة السورية قوى مشتتة تكبر وتندمج وتتشكل و تقوى والمعارضة السياسية تكتسب المزيد من الدعم العربي والدولي وتبني تشكيلاتها السياسية المنظمة وتضم إليها التنسيقيات وما سمي بالجيش الحر وتبني رفضها للحل السياسي على ثقتها بتغيير الموازين بتسلم السفارات والمعونات العسكرية النظامية وإنشاء مطارات وتنظيم فرق مدرعات وصواريخ و سلاح جو وصولا لتسلم الحكم .
راهن الأميركي على حسابات المعارضة وحلفائه الإقليميين من تركيا وقطر والسعودية وتوقع ان زمن تطبيق جنيف بتفسيره القائم على وضع اليد على الرئاسة وصيانة البنى الجامعة للدولة من جيش وإدارات والتهيؤ لمواجهة تمدد المتشددين المتأثرين بالقاعدة أو المنتمين إليها والذين كانوا لا يزالون ببداية التشكل والنمو .
دارت الأيام دورتها وتغير كل شيئ فصارت القاعدة تمسك بالميدان وتلاشت أحلام وأوهام الشرعية الدولية والديبلوماسية و سقطت احلام تقدم كل التشكيلات العسكرية للمعارضة في الميدان ووصل الأميركي إلى التهديد بالحرب وتراجع مع التفاهم الكيماوي وتفاقمت الإنهيارات الإقليمية مع التفاهم النووي مع إيران .
عاد الأميركيون والروس لبحث التفسيرات المتباينة وبدأ شق الخلاف يضيق وأخذ ينتصر المنطق الروسي بقوة الوقائع فلا شروط مسبقة على المشاركة ولا حل بلا مواصلة الحكم السوري بصيغته القائمة على المشاركة في حربه على الإرهاب و بعد تنامي الإنجازات الميدانية وسقوط الجيش الحر بالضربة القاضية تحت يد داعش والنصرة وخلفهما القاعدة صار وقف التسليح للمعارضة ضرورة لعقد جنيف ومنع وقوع السلاح بيد القاعدة .
سوريا تنتصر في الميدان وروسيا تنتصر في السياسة والمعارضة تهزم في الميدان ورعاتها الإقليميون يهزمون في السياسة
يضحك كثيرا من يضحك اخيرا .
2013-12-12 | عدد القراءات 3340