من المفارقات التي ترسمها السياسات الكبرى التي تشهدها المنطقة مع التغييرات الدولية الكبرى ، وولادة تفاهم روسي أميركي يعجز عن توليد دينامية إقليمية مشابهة ، لإستحالة إستعادة الإستقرار إلى الشرق الأوسط بالطريقة التي تتم فيها محاولة بناء النظام العالمي على قاعدة لا غالب ولا مغلوب .
لدى أميركا ما تربحه في السياسات العليا والمصالح الكبيرة ، وهي تسلم بالتغييرات في الموازين الحاكمة للجغرافيا ، فهي تسلم بالخروج العسكري من آسيا وتداعياته السياسية لحساب روسيا والصين وإيران ، لتحتمي وراءها إمساكها وتكريس ملكيتها برضا روسي وصيني وإيراني ، لأنابيب المال والنظام المصرفي العالمي وأنابيب النفط والغاز وسوق الطاقة العالمي وأنابيب المعلومات و ونظام المعلوماتية والإتصالات والإعلام العالمي ، ومن يمسكون إقتصاد الثروات الطبيعية والأصول الثابتة والقدرات العسكرية وعدد السكان الكبير والأسواق الضخمة ، يعلمون أنهم ليسوا جاهزين لوراثة أو حرق المراحل نحو التنافس مع اميركا في ميادين تفوقها ، طالما أن المسافة التي تفصلهم عنها هي عشرات السنوات من التقدم التقني والعراقة والإستثمارات الخرافية .
في المنطقة لا شيئ يشبه ذلك ، فالمعادلة الإيرانية السعودية التي تختزل ما تبقى من الحروب في الخليج وسوريا ولبنان والعراق ، تقوم بين دولة تملك في مجالات التكنولوجيا والسكان والثروات و الجيوش ، وشكل نظام الحكم بمفهوم المقارنة بمعيار الإنتخابات والحريات بينهما ، ما يؤهلها للقيادة ، ودولة لا تملك سوى الإستثمار على عصبية منع الحلول وتصعيد التور المذهبي ، بما سيفرز تحت عباءة عنادها ، فرص القوى الجديدة أو المتجددة المؤهلة بمقوماتها التكوينية الطبيعية كمصر وتركيا ، ما يجعلها شريكا في نظام إقليمي جديد تقوده إيران وتنال فيه مصر وتركيا ادوارا حاسمة ، وتذهب فيه السعودية وإسرائيل إلى الضمور والتآكل .
الصحوة السعودية نحو العقلانية كمثل الصحوة الإسرائيلية نحو سلام معقول ، يبدوان صعوبة تصل حد الإستحالة بفعل التكوين العصبي الفكري الأيديولوجي للصهيوينة والوهابية ، القائمتين على إدعاء تمثيل الله على الأرض ، وكإمتداد لجذور آلاف السنين لإقتصاد صحراوي رعوي ، لا تشبه قيمه ما تنتجه الإقتصادات الزراعية من مدنية وسلم قيم دولتية وحضارية وعمرانية .
مشكلة المعارضة السورية والرابع عشر من آذار اللبنانية ، رغم فطرة الذكاء المستمدة من البيئة المختلفة ، ان إرتباط قياداتها ماليا بالسعودية يعمي بصرها ، عن فرصة تاريخية تحول دون أن تدفع في زمن ليس ببعيد ، فاتورة الحنق والحمق والحقد السعودي الصحراوي الرعوي .
في الوقت الضائع والخطوط الحمراء لمنع الحروب الكبرى ومنع الإنفجار، ثمة فرصة لحكومة لا تصنع حلولا في لبنان وفي سوريا ، بل تنتظر الحلول وتسعى إليها ، حكومة الحد الأقصى من المشاركة الممكنة التي يتقبلها حزب الله في لبنان والرئيس بشار الأسد في سوريا هي حكومة ممكنة الولادة اليوم ، لو إمتلكت المعارضة السورية إستقلالها وذكاء البيئة التي ولدت فيها ، وتخلت عن كذبة ان سعود الفيصل يستيطع ان يرشدها لطريق الثواب او الصواب ، فالحكومة الممكنة في لبنان ستكون فرصة الإسترخاء السياسي والوحدة الممكنة بوجه الإرهاب وتقطيع الوقت الضائع ، بإنتظار الحلول الكبرى ، وفي سوريا ما قد يقبل به الرئيس الأسد بقوة البحث عن جبهة وطنية تحارب الإرهاب ، تحت سقف الدولة الوطنية السورية ودستورها وجيشها ، لن يعود بحاجة إليه بعد تبلور جبهة إقليمية دولية لهذا الغرض ، ويصير معها التشارك السياسي له باب واحد هو صناديق الإقتراع .
الأغبياء وحدهم يضيعون الفرص وبين الأغبياء أذكياء سابقون أو اذكياء متقاعدون .
2014-01-31 | عدد القراءات 2229