أوكرانيا حقل إختبار سريع خلال شهر لما يمكن ان تؤول إليه الأزمات في زمن التسويات فلا وقت لتضييعه في الذهاب إلى المجهول وليس واردا بعد التفكير بالتصعيد بحشد الأساطيل كما جرى في ذروة الأزمة السورية لأن سحبها سيكون حتميا كما كان .
أوكرانيا ليست أزمة مفتعلة ولا مجرد ورقة ضغط ولا رسائل بصندوق بريد ففي أوكرانيا أزمة مستعصية عمرها من عمر إنهيار الإتحاد السوفييتي كما هو حال لبنان منذ الإستقلال لأن أزمة الإنشقاق الداخلي على الهوية بين بيئتين متناقضتين في الخيارات الإستراتيجية يجعل البلد سواء لبنان أو اوكرانيا على شفا حرب أهلية باردة تحسن قراءة تغير التوازنات لمحاولة الإستقواء لحسم الهوية الداخلية .
بيئة روسية وبيئة غربية تتقاسمان خيارات الأوكرانيين الأهلية كما لبنان منقسم ويتقلب في إنقساماته بين بيئة مسيحية كان هواها الغربي يقابل الهوى الوحدوي للمسلمين السنة ومعهم الشيعة والدروز في زمن جمال عبد الناصر والمقاومة الفلسطينية وصولا لبيئة سنية ترى السعودية ملاذها وخيارها في قلب المعكسر الغربي وخياراته في مقابل بيئة شيعية منخرطة بالمقاومة وفي حلف مع سوريا وإيران ويتقلب لبنان على توازنات الصراع بينهما .
أوكرانيا واحدة من ساحات التداخل التي راهن الغرب عليها لضمها للأطلسي ولتكون جزءا من منظومة الدفاع الصاروخي وهي مدى حيوي إستراتيجي للأمن القومي لروسيا فتحييد موقعها التصادمي إقليميا ودوليا يسمح بوضعها على سكة تسوية داخلية محمية بتفاهم دولي كبير بحماية وإحترام تداول السلطة الداخلي خارج إطار توظيف نتائج هذا التداول في نقلها من حلف إلى حلف آخر فأصدقاء روسيا عندما يفوزون يذهبون لحكومة إئتلافية على الطريقة اللبنانية وربما مع الثلث الضامن وعندما يحدث العكس لا يجري الإخلال بموجبات الإطمئنان الروسي كما كانت تسوية لبنان الطائف وإقامة رجل الغرب والسعودية الرئيس رفيق الحريري في حضن سوريا .
التسوية الأوكرانية تضيف لنموذج الحكومة الإئتلافية اللبناني في صيغ التسويات الأهلية تقبل تداول الرئاسة بين الخصوم الأقوياء تحت سقف ضمانات عدم اللعب بالموقع الإقليمي والدولي بمفهوم الأمن القومي خصوصا في التشابك الروسي الأوروبي للجغرافيا الأوكرانية فهل يمكن لهذه التسوية التي ولدت سريعا لسرعة ومداهمة زمن الإستحقاقات أن تشكل نموذجا للبنان بفتح الباب لرئاسة الجمهورية أمام العماد ميشال عون وتقبل إعادة إنتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية جديدة في سوريا ؟ بإعتبار الإنتخابات مدخل للإعتراف بشرعية التغييرات فيصل جماعة الغرب في أوكرانيا بضمانة أميركية أوروبية لإحترام موجبات الأمن الروسي مقابل الأسد وعون رؤوساء بضمان روسي ؟
ربما تكون مصر في عهدة الجنرال عبد الفتاح السيسي نموذجا للتوازن بين المعسكرين .
2014-02-22 | عدد القراءات 2553