قد يبدو الحكم على الذكاء والغباء خصوصا عندما يترافق مع التموضع على ضفاف الصراع بالنسبة للجهة التي تصنف أو تحكم فتتعاطف مع طرف تصفه بالذكاء وتخاصم من تصفه بالغباء كأنه نوع من الترويج والدعاية وربما يراه البعض تمجيدا غير محمود .
لكن إستعادة الوقائع كشريط مصور سريع لأبرز مواجهات شهدها القرن الواحد والعشرين قبل الربيع العربي أي حربي أفغانستان والعراق وتاليا الإستنجاد الأميركي بإسرائيل في حربي لبنان وغزة ، يدل ببساطة على التوازن المختل دوليا لصالح مبادرات عسكرية عملاقة تقوم بها واشنطن بعجرفة وثقة أنها القوة الوحيدة الحاكمة في العالم بلا منازع ، و بالمقابل ستدل المراجعة على الإنحناءة الروسية التي قد يكون البعض قرأها خنوعا وإنهزاما بينما يحق لمن يريد الحكم على النتائج ان يراها توريط روسي للأميركي بمستنقعات تشبه مرارة ما ذاقه في افغانستان ، ونتيجة خبرة عميقة بمعنى تحول القوة العظمى إلى قوة إحتلال وخوضها الحرب خارج ارضها ، فمهما كانت التكنولوجيا عاملا مساعدا في تسريع الحسم وتخفيف الخسائر فإن تسارع وسائل الإتصال وعالميتها سيجعلان هذا القليل من الوقت والخساائر كثيرا بقياس حرب فييتنام ، مع فارق نمو وتطور وسائل الإتصال وفاعليتها في تغيير وجهة الرأي العام ، وخبرة روسيا في حرب لإستنزاف لا تقل عن خبرتها في وظيفة وفعالية وسائل الإعلام فالأولى هزمتها في أفغانستان والثانية فككت الإتحاد السوفياتي .
من لا يقتنع بنظرية الكمين الروسي الذي إستدرجت إليه اميركا لعشرة أعوام حتى إستنزفتها الحروب مشفوعة بسرعة وسعة تأثير الإعلام ، مدعو لمراقبة أبرز مواجهتين في العقد الثاني من القرن ، وهما معركة سوريا وحرب اوكرانيا ، فسوف يشهد كمية البرودة والهدوء لدى روسيا لكن بحزم خفي يظهر من لحظة الفيتو في حرب سوريا التي فاجأت اصدقاء سوريا واعدائها ، بينما كل الخطة الأميركية والعربية والتركية بنيت على فرضية التغطية بقرارارت من مجلس الأمن بعدما كانت روسيا حصلت في الحالة الليبية ما يغري بالتكرار في الحال السورية .
يوما بعد يوم إتضح أن كل ما كانت تحتاجه سوريا ومعها إيران وحزب الله هو السلاح الروسي النوعي لردع حرب تقليدية اميركية أو إسرائيلية أو تركية وقد حصلت عليه ، وقرار بإستخدام الفيتو لمنع الخصوم من إستعمال تغطية مجلس الأمن في حرب تصير قانونية وترضي قوى الرأي العام رغم كلفتها إذا حظيت بهذا الغطاء .
تفككت قوى الحرب الأميركية ورغم الإستنجاد بالقاعدة بدأت علائم نصر سوريا تلوح في الأفق خصوصا بعد موقعتي القصير ويبرود .
في حالة أوكرانيا بدا واضحا ان الغرب و على رأسه اميركا بنى حساباته على فرضيتين بعدما طور ذكاءه كي لا يكرر غلطة الإعتماد على فرضية واحدة ، والفرضيتان هما الإحتماء وراء شرعية مستمدة من البرلمان للإنقلاب في اوكرانيا ، لإستدراج روسيا إلى إستخدام التدخل العسكري لقمع الإنقلاب والتورط بمثلما تورط الغرب في كمينهم في اماكن مقابله ، او المقايضة على الحالة السورية بجعل المعادلة ، تدخل شرعي مقابل تدخل شرعي أو إنكفاء شرعي مقابل إنكفاء شرعي ، فإما أن تختار موسكو أوكرانيا فينال الغرب سوريا أو العكس وإذ بروسيا تختار الإثنتين ولكن كيف ؟
بذكاء الإستعاضة عن التدخل بالتحضير السري والسريع لإنتفاضة عسكرية في شبه جزيرة القرم القيمة الإستراتيجية الوحيدة لأوكرانيا ، وذات الأهمية الخاصة لروسيا كمقر لأسطولها وبوابتها على البحر الأسود وعبره البحر المتوسط ، و المستندة إلى وجود أغلبية سكانية منتمية لروسيا وراغبة بالإنضمام إليعا والإنفصال عن أوركانيا وتحتاج الحماية .
وفرت روسيا الحماية عبر الالاف من جنودها الذين تسللوا إلى شبه الجزيرة ومثلهم من المتطوعين الورس ,وإنتفض تجت حمايتهم السكان و أجروا الإستفتاء وحسموا الإنفصال والإنضمام ، وصار على الغرب أن يجرد حملة عسكرية لإخراج روسيا او الرضا بالخسارة ، لأن روسيا لن تجتاح أوكرانيا فقد حصلت على القرم دون أن تخوض حربا
2014-03-20 | عدد القراءات 4387