التدخل الأميركي والغربي من ورائه في إستخدام الأوراق الداخلية لعدد من دول العالم ، سواء بهدف الضغط على حكوماتها أو تغيير هذه الحكومات ، أو بهدف الوصول للضغط على جيرانها الكبار ، لم يسجل في مكان واحد من العالم الخروج عن قاعدة الدخول في مذبحة بين مكوناتها وصولا للحرب الأهلية .
من السلفادور إلى نيكارغوا وباناما وصولا لفيتنام وكمبوديا وكوريا ، ومرورا بأفغانستان ويوغوسلافيا و الصومال والسودان ورواندا و غينيا والعراق ولبنان وتونس وليبيا ومصر واليمن .
كيفما بحثت عن العبث الأميركي بأوراق الداخل وتحت اي عنوان كان ، سواء الحرب على الإرهاب او دعم حقوق الإنسان والديمقراطية أو مواجهة المد الشيوعي ، فستجد مرادفا واحدا لهذا الدور الأميركي الحضاري ، وهو الموت والقتل على الهوية و الذبح بلا هوادة ، وصولا لإنشقاق المكونات الوطنية بعضها عن بعض ، وتفتت عصب الدولة المركزية لحساب نشوء سلطات أمر واقع بديلة تربطها العصبيات السابقة لتشكل الأمم والدول ، لتتولى تقاسم الجغرافيا الوطنية للدولة ومواردها فتتقاسمها العصابات والمافيات.
في حالتين متقابلتين تشكلان اليوم محاور التدخل الأميركي هما سوريا وأوكرانيا نرى نجاح الدولة السورية بتفادي وصفة الحرب الأهلية ، بالمعنى العلمي للحرب بين مكونات دينية أو عرقية للكيان والدولة ، فرغم المشاركة من قبل آلاف السوريين في الحرب ضد دولتهم الوطنية تحت شعار إستبدال دولة الشرعية بدولة الشريعة ، أو وهم الإنضمام للدول الليبرالية التي يضيع النموذج المطلوب من السوريين محاكاته بين السعودية وتركيا ، يبقى ثابتا أن الحرب لم تنتقل لتصبح على ضفتي مكونين مذهبيين أريد لهما التحارب وإقتسام الجغرافيا السورية هما السنة والعلويين .
رغم كل الأسباب الموجبة والمشجعة والجهود المضنية لإيصال سوريا إلى هذه الضفة ، نجحت سوريا بتفادي الوصفة القاتلة ، فالمنطقة وسط إستقطاب بين السعودية وإيران والخطاب الديني والمذهبي يتقدم هذا الإستقطاب ، و حلفاء سوريا في حلف المقاومة من إيران للعراق وحزب الله يسمح تكوينهم لخصومها بالتحدث عن هلال شيعي ، وخروج حركة حماس من الحلف يمنح المصداقية لهذا الطابع ، وفي ضفة خصومها وهوياتهم كذلك من دور تركيا ومكانتها المذهبية ، ومصر خصوصا زمن الأخوان المسلمين وإمتداداتهم ، وموقع السعودية وتوظيفها للمقدسات ، ووظيفة الإعلام والقنوات الدينية بالمئات تصدح صبح مساء بنغمة مذهبية واحدة .
نجحت سوريا بتفادي رصاصة الرحمة لأنها نجحت ببناء دولتها الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب ، فجيشها وجهازها الديبولماسي وحزبها الأقوى تمثيلا وجهاز الحكومة والإدارة فيها ، عناوين لتماسك وطني يتقدم فيها جميعا السنة على العلويين في قيادة الحرب الوطنية لمواجهة الغزوة الإستعمارية المكشوفة ، التي نجحت في إجتذاب أعمى لجزء من السنة في سوريا ، لكنها لم تنجح في كسب الأغلبية منهم ، ولا نجحت في إستدراج العلويين لخوض الحرب كحرب تطهير مذهبية رغم ما لحقهم منها على هذا الأساس .
بالمقابل تشكل أوكرانيا نموذجا معاكسا ، حيث الصراع السياسي على الخيارات لم يتأخر أياما حتى بدأ بالتحول إلى مشروع تقسيم عرقي ، شهدنا مقدماته مع إنفصال شبه جزيرة القرم وها نحن نشهد التتمة في شرق اوكرانيا ، ولن ينفع التهديد الأميركي لروسيا بمنع المتحدرين من أصول روسية من الإنتفاض بوجه سلطة ذات لون واحد تصر على التمييز العنصري بين مواطنيها ، كما كان حال دولة جنوب أفريقيا أيام حكم الفصل العنصري والتي كانت محظية أميركية غربية بإسم التقدم والحضارة ، و لن ينفع إجتماع جنيف الرباعي الأميركي الروسي الأوروبي الأوكراني الغربي في منع قاطرة الحرب الأهلية من إجتياح اوكرانيا ، لأن ثمة قيادة غبية في كييف تحركها العنصرية من جهة ، وتركبها أوهام الغرورو بقوة الغرب من جهة أخرى ، فتجر لبلادها خرابا ما بعده خراب ن بينما الطريق للسلم الأهلي اقصر مما يظنون ، علاقات نحو الداخل عنوانها الحوار ، ونحو الخارج حسن الجوار ، أليست هذه هي الوصفة اللبنانية بعد عشرين سنة حرب وربع مليون ضحية ؟
حروب اليوم هي حروب الإستقلال الوطني والدولة الوطنية ، وإلا صارت حروب التفتيت والتقسيم والإقتتال الأهلي ، فتفادي الحرب لا يكون إلا بخوض الحرب نفسها لكن لتغيير وجهتها .
2014-04-17 | عدد القراءات 3033