تكثر التحليلات والإجتهادات حول ثمن تريده السعودية للخروج من الأزمة السورية ، مقابل ثمن تقبضه في لبنان مرة على صيغة تسويق سمير جعجع للرئاسة ، ومرة أخرى بإزاحة نور المالكي وتقديم مكسب إضافي لحلف المقاومة بقبول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية في لبنان ، ومرة ثالثة بتخلي إيران عن الحوثيين في اليمن لتغطية صفقة خليجية ، تقبل بموجبها المعارضة البحرانية بفتات إصلاحي ، ويدفع الحوثيون فيها ثمنا باهظا .
مشكلة هذا النوع من التحليلات أنه واقعي في قربه من العقل السعودي الذي لم يتأقلم مع حقيقة أنه هزم في سوريا ، وأن كل يوم إضافي للمزيد من التورط يحول الهزيمة إلى فضيحة ، و يضع السعودية في وضع لا تحسد عليه ، ومشكلة هذا النوع من التحليلات أنه يتجاهل كون السعودية التي أزاحت بندر بن سلطان من مسؤولياته ، والتي سلمت الأمير مقرن بن عبد العزيز مسؤوليات العرش ،لم تفعل ذلك بطيب خاطر ورضا ، بل بأوامر أميركية ، ومن يتلقى الأوامر في تركيبة الدولة التي يملك قرارها ، لا يمكن أن يكون حرا في مبادلات ومقايضات إقليمية أكبرمنه ، والأميركي هو من يدير التفاوض حولها .
أهم الأمور التي يتجاهلها هذا التحليل ، هو أن الطرف المطلوب أن تجري معه المقايضة هو طرف لا يقايض على حلفائه ، كما تفعل اميركا بجماعتها و كما تعامل السعودية من يشتغلون معها ، فالحليف صاحب قرار ورأي ، وأي تفاوض يخصه بنسبة معينة يجعله شريكا بالقرار التفاوضي بهذه النسبة ، وهذا يصح بالنسبة لحزب الله والخيار الرئاسي اللبناني ، ويصح بالنسبة للمعارضة البحرانية ومستقبل ما تراه لبلدها ، وصحيح أيضا بالنسبة للتيار الحوثي ودوره في اليمن ، والصحة هنا لا تأتي من طرف رفض إيران البيع والشراء على ظهر حلفائها ، فقط بل لأن حلفاءها أيضا ليسوا ادوات و ليسوا عملاء ولا يتلقون الأوامر والتعليمات .
أما بالنسبة لسوريا فالأمر بالتأكيد اشد وأقوى ، فالثابت حتى الان من تصريحات ومواقف الرئيس السوري بشار الأسد ، أن الأزمة التي إنفجرت مع السعودية ليس واردا ان تنتهي بتبويس اللحى ، وان الدم السوري الذي أراقته السعودية لن يذهب هدرا ودون حساب ، وثمة أحد يجب أن يدفع ثمنه ، وأن المستقبل العربي لن يعاد تركيبه على القواعد القديمة كأن شيئا لم يكن ، أو كأن القضية هي أن تعترف أو لا تعترف السعودية بنتائج الإنتخابات الرئاسية في سوريا .
على السعودية أن تعترف انها خاسرة في سوريا وخاسرة في العراق وخاسرة في لبنان ، وأنها لم تعد كما كانت في البحرين ولا في اليمن ، وان الإعتراف بهذ الحقائق الجديدة والتسليم بتغير الواقع من حولها في كل مكان لا يسمح لها بالحديث عن مقايضات ، بل عن خسائر مع حد من حفظ ماء الوجه .
جل ما يمكن أن يجلبه التسليم السعودي بالخسارة هو مفاوضات حول حجم التغيير الذي سيلحق بحجم و مكانة السعودية وجماعتها في المنطقة ، بما في ذلك شكل النظام العربي الجديد الذي ستشكله القوى الصاعدة عربيا ، وليست الممالك التي بنيت من رمل وملح وأخذت تذوب مع أول إرتفاع في منسوب الماء .
يجب أن يفرح السعوديون إذا لم يكن مستقبل الحكم في بلادهم مطروحا للتفاوض .
2014-05-04 | عدد القراءات 2423