يكثر في كل الدوائر الدولية والإقليمية الحديث عن الرئاسة اللبنانية وخطر الفراغ ، لكن على قاعدة القدرة اللبنانية على تحمل الإنتظار ، بعدما نجحت الحرب التي خاضها الجيش السوري ورجال المقاومة في القلمون ، بإبعاد شبح دخول مقاتلي القاعدة إلى لبنان والتمركز فيه بصورة تعرض أمن أوروبا للخطر ، مما كان الخلفية التي تشكلت منها عناصر الدفع لتسريع الحكومة الحالية وإزالة الشروط التي وضعتها السعودية وحلف الرابع عشر من آذار ، وفي مقدمها خروج حزب الله من سوريا في مرحلة الرهان على تغيير التوازن العسكري هناك ، وهي الخلفية ذاتها التي كانت ستسرع الضغوط لصياغة رئيس جديد للبنان .
لم تعد أوروبا مذعورة من تمركز القاعدة في لبنان على أمنها ولم يعد هناك شيئ إسمه إعادة اتلوازن العسكري في سوريا ، لحساب فريق المعارضة المدعوم سعوديا وأطلسيا ، وصارت الطريق واضحة بعد تسوية حمص ، فقد سقطت عاصمة ما سمي بالثورة وفيها أفضل الشروط لمواصلة الحرب ، وبدونها تفقد كل انواع الحرب المتاحة القضية المتصلة بتعديل التوازن ، ولم يعد هناك شيئ إسمه تسليح نوعي بعد عودة وفد الإئتلاف المعارض بلا غلال من زيارة واشنطن ، و تسابق تركيا والأردن على إثبات حسن النوايا بتفادي مواجهة حدودية مع الدولة السورية .
الواقع العسكري يتحدد والواقع السياسي مثله مع إقتراب الرئاسة السورية من موعد الإنتخابات ، والباقي هو متى يتفق اللبنانيون ومن وراءهم من اطراف إقليمية ودولية على الرئيس العتيد ، وهنا الجواب يبدو متفق عليه ، فلبنان سيكون الحصيلة التي تتوج التفاهمات التي تحتاج وقتا للتبلور على مساحة المنطقة .
الملفت ان الحديث عن الرئاسة اللبنانية المسلم بكونها ستطبخ خارج لبنان ، يتراوح بين الذهاب للرئيس المسيحي الوازن تمثيليا بعد رسم ضوابط تحول دون تأثير إنتخابه سلبا أو إيجابا بصورة نوعية على التوازن الدقيق الذي يحكم علاقة المقاومة وسلاحها وإسرائيل وأمنها ، أو بالذهاب لرئيس توافقي بالمعايير التي تم وصول رؤساء مشابهين من قبل لشخصية لا تمثل سياسيا وشعبيا فريقا وازنا لكنها تملك اقنية التواصل التي تسمح بأن يكون لكل فريق فيها نصيبا .
الملفت أكثر أن كل النقاش يشير لتفاهم رباعي أميركي روسي يؤسس المناخ الدولي وتفاهم إيراني سعودي ينجز البيئة الإقليمية ، ويجري التسليم بمعادلة تجاهل سوريا ودورها فهل بات صحيحا الحديث عن نهاية الدور السوري في أبرز إستحقاق لبناني كانت سوريا دائما شريك رئيسي في إنجازه ؟
مشكلة هذه الفرضية تنم عن جهل كبير بكثير من المعادلات ، أولها ان سورية الضعيفة أشد حاجة للتدخل بالإستحقاق اللبناني وأكثر قوة وجهوزية لممارسة هذا التدخل ، وسوريا القوية ترغب بالنأي عن نفسها بحجم ضئيل من الأدوار كالإستحقاق اللبناني فيتراكض نحوها اللبنانيون لتصير شريكا حاكما ، فيسهل على الأطراف اللبنانيين التنازل لها من التنازل لبعضهم البعض ، لمن يعتبرون سوريا اضعف يجب التنبه إلى ان سوريا لن تترك سانحة إلا وتسعى لوضع بصمتها أو عرقلة اي تفاهم يتجاهلها ، وللذين يرون سوريا اشد قوة لا تضعوا حساباتكم بلا مساحة للمحكم السوري الذي سيصير حاكما بطلب لبناني .
المشكلة الثانية أن حلفاء سوريا المقررين إقليميا ودوليا روسيا وإيران لا مصلحة لهما بالوقوف أمامها في الشأن اللبناني ، بل بتجيير مكانتهما وحضورهما لتكون هي الخبيرة بلبنان وذات النفوذ والمعرفة بالقوى حاضرة ، خصوصا ان تداعيات الخيار الرئاسي تظهر في سوريا قبل ان تصل إلى إيران وروسيا ، أما الحليف المحلي وهو المقاومة فمصلحتها بضامن قوي قريب لن يكون غير سوريا ، وطبيعي أن تجير وزنها لتكون سوريا الجهة التي تستطيع البت النهائي بشخص الرئيس العتيد .
المشكلة الثالثة أن إتفاق الطائف الذي سلب بعضا من صلاحيات رئيس الجمهورية لحساب رئيس الحكومة بعد نقل الأساسي منها للحكومة مجتمعة ، فعل ذلك على قاعدة إلتزام الطائف بالعلاقات اللبنانية السورية المميزة ومحورها الشق الأمني والعسكري من أداء الدولة اللبنانية والسياسة الخارجية للدولة ، و بدون هذه العلاقة المميزة سيكون على أهل الطائف قبول تعديله لإعادة النظر بتوزيع الصلاحيات مجددا .
التسليم بدو سوريا يحمي الطائف وصلاحيات رئيس الحكومة وربما يوفر طريقا سلسا لإرتياح المقاومة وسوريا ، لشخص وازن كالعماد ميشال عون لا يتسدعي إنتخابه رئيسا إعادة النظر بصلاحيات رئيس الجمهورية .
لا رئاسة في لبنان بلا الدور السوري
ربما لا تعجب هذه الخلاصة كثيرين من دون ان يذكروا كلمة سيادة ، لأنهم يسلمون بدور أميركي روسي سعودي إيراني تحت عنوان الواقعية السياسية ، وهذه الواقعية تستدعي الإنتباه لدور سوريا .
2014-05-11 | عدد القراءات 3028