العراق أخطر من 2003 - مقدمة نشرة أخبار توب نيوز - 15-6-2014- ناصر قنديل

 

عندما وقع الإحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ، شعر الكثير من العرب الذين تشغلهم الأحداث الكبرى خارج بلادهم ، ويقدرون درجات خطورتها على المصالح العليا للعرب ومسقبلهم ، أن حدثا خطيرا يقع يعادل في إصاباته البالغة ما جرى في حرب العام 1967 عندما هزمت إسرائيل في حرب خاطفة جيوش الدول العربية وسقطت القدس في قبضة الإحتلال .

وصل البعض حد القول ان أحداثا كهذه لا تقع إلا كل عدة عقود فمثلها كان إغتصاب فلسطين والعدوان الثلاثي وحرب ال67 وإجتياح بيروت عام 82 .

من ضمن الذين شعروا بخطورة الحدث ، من كانت لديه الثقة بأن الزمن الذي إفتتحته المقاومة اللبنانية بتحرير جنوب لبنان لن ينتهي بتأبيد الإحتلال الأميركي ، فروح المقاومة ستحضر بقوة والإحتلال الأميركي لن ينجح بتغطية كونه إحتلالا ، ولن يسلم للعراقيين أمورهم بسهولة فهو لم يأتهم كمخلص بل كصاحب مصالح حيوية وإستراتيجية سيحاول تحقيقها قبل الرحيل ، وعلى حدود العراق كيانان مقاومان بدولتي سورية وإيران لن يكون بمستطاع الأميركي تجاهل فرصة إستخدام الإحتلال في مواجهته معهما ، كما لن يكون بمستطاعهما تجاهل تأثيره السلبي الخطير وما ينتجه من تحديات من جهة وما يتيحه من فرص للمقاومة من جهة أخرى .

حدث ما كان وفقا لروزنامة زمن المقاومة وإستنزف الإحتلال الأميركي وإضطر للرحيل لكنه قبل الرحيل فخخ العراق بمجموعة من الوقائع والمنغصات و عمق نقاط الضعف وصادر نقاط القوة وعبث بالنسيج الإجتماعي المريض اصلا من تجربة حكم النظام السابق بإنقسام طائفي سني شيعي وإنقسام قومي كردي عربي صار في زمن الإحتلال فتنة مشتعلة .

عندما رد الأميركي على فشله بالعدوان على المقاومة عام 2006 بواسطة إسرائيل وكان شعار غونداليسا رايس أنه مخاض شرق أوسط جديد كانت الثقة بفشل الحرب كالثقة بفشل إحتلال العراق وكان الحلف السوري الإيراني مع المقاومة جاهزا لتحقيق النصر .

بين التسليم بالهزيمة الإستراتيجية الشاملة ومحاولة إستثمار الأوراق النائمة لتغيير الموازين كان طبيعيا ألا ييأس الأميركي من المحاولة وبوجه الخصوص بعدما ثبت لديه فشل محاولات تطويع سوريا وتحولها إلى قلعة لخيار المقاومة لا يمكن هزيمتها عسكريا وإستشعاره بأن زمن الإنسحاب من العراق وأفغانستان عندما يحين تباعا في العامين 2011 و2014 سوف يمنح روسيا والصين وإيران مع سوريا معافاة وبينهم العراق المستقل فرصة التحول إلى حلف ضخم بمثابة الحاكم القوي لآسيا .

كان الخيار الأميركي اللعب مع الشيطان مرة أخرى وهو التشكيلات الإسلامية المنغلقة والتكفيرية من الأخوان المسلمين إلى مفردات القاعدة بمتنوعاتها موزعا الأدوار عليها بين تسلم الحكم هنا وزراعة الموت هناك وإنطلقت الفوضى الهدامة بإسم الربيع العربي منذ العام 2011 مستفيدة من مزاج شعبي غاضب وحكومات هشة وفاسدة وغياب النخب القادرة على صناعة الأفضل من هذا السيئ القائم .

كان الهدف الوصول إلى سوريا وها هي سنوات الحرب على سوريا تتوج بإنتصارات للجيش السوري من جهة وبالإلتفاف الشعبي الواسع حول الدولة ورئيسها من جهة مقابلة .

مرة أخرى لم يسلم الأميركي باليأس ولا الذين تورطوا مثله بالحرب على سوريا وصاروا مجبرين على الإنتقال إلى حلف الخاسرين بعدما أحرقوا السفن بعلاقتهم بسوريا وقد كان أغلبهم حليفها وصديقها كحال تركيا وقطر ، وكانت الأزمة الأوكرانية لإخضاع روسيا ودفعها للتغيير والتنازل في سوريا وكان الصمود والمواجهة بقرار الرئيس فلاديمير بوتين وبدأت تتغير الوقائع لحسابه من شبه جزيرة القرم وها هو يمسك أوراق اللعبة هناك.

عودة للعراق إذن ، هذا هو الخيار الأميركي التركي  السعودي القطري وخصوصا الإسرائيلي وحرب التفتيت الإبتزازية فإما ان يرتضي حلف المقاومة لعبة الفتنة والتقسيم أو يرتضي التحالف لمواجهة الإرهاب وفقا للشروط الأميركية في سوريا وغيرها .

الجواب هو جواب بوتين في اوكرانيا : تلعبون التقسيم فيسسير خط  التقسيم ليجتاح بلادكم من السعودية إلى تركيا ، وإن شئتم تحالفا فالطريق واضح هو الإعتراف بالحقيقة السورية وشرعية دولتها أولا وإلا سنعرف كيف نواجه منفردين وننتصر .

الحرب النفسية يشنها المنتصرون لا المهزومون والإبتزاز لا يصنع قوة للضعفاء وشعار "علي وعلى أعدائي يا رب" يصلح في القصص القديمة الخرافية عن شمشمون وليس لتفسير السياسات .

آخر الحروب كأولها  عنوانه العراق لكنه هذه المرة أخطرها ،والنصر فيه هذه المرة سقوط نهائي لخيار الفتنة ، ويحتاج للجمع بين السياسة والأمن والقوة ، ولعل اول ما يحتاجه هو الإنتقال بالتنسيق السوري العراقي إلى العلن بصيغة لا تقيم حسابا للغضب أو الرضى الأميركي والسعودي والتركي .

 

2014-06-15 | عدد القراءات 3688