لا يمكن لعاقل ان ينظر للأزمة الأوكرانية كتعبير أحادي عن الإحتقان الداخلي بين مكونات المجتمع المقسم سياسيا وثقافيا وطائفيا ، فأوكرانيا المكونة كلبنان من كتلتين متقابلتين طائفيا وسياسيا وثقافيا وتميل إحداهما غربا والثانية شرقا ، وتحسن كل منهما قراءات التوازنات المحيطة بصراعاتهما ، تحركت على إيقاع القرار الغربي بتحريك الفالق الأوكراني لإحراج روسيا ودفعها للإنكفاء ، نحو الإهتمام بما تعتبره أمنها القومي الإستراتيجي وحديقتها الخلفية ، بدلا من المواجهة التي تخوضها تثبيتا لمواقع حلفائها في الشرق الأوسط .
حاول الغرب توظيف الأزمة الأوكرانية للضغط على موسكو بعد صلابتها في دعم الموقف السوري ، في مؤتمر جنيف أملا بالتمهيد لجولة ثالثة يكون الموقف الروسي فيها مختلفا ، ولما كان الفشل عرضت المقايضة سوريا مقابل أوكرانيا لترتضي روسيا إطلاق يدها في أوكرانيا مقابل إطلاق يد الغرب في سوريا أو ترتضي مجالس حكم إنتقالية للبلدين أو ترتضي التخلي عن أوكرانيا مقابل التمسك بسوريا فكان الرد الروسي بالرفض للمقايضات جملة وتفصيلا .
خبأت روسيا الكثير من أوراق قوتها لما ظنه الغرب مفاجأة أوكرانيا ، فحسمت أمر شبه جزيرة القرم التي تعنيها في أمنها القومي كميناء لأسطولها ومنفذ على البحر الأسود ، وتابعت برعاية أقاليم شرق اوكرانيا لتعزيز صمودها وصولا لفرض توازن أفشل مشاريع الحسم العسكري التي راهن الغرب عليها ، بواسطة محاولة تكرار الحسم العسكري السوري الذي يختلف بكون الجيش المتعدد طائفيا يحسم في سرويا على خلفية كتلة شعبية متعددة طائفيا بوجه التنظيمات الإرهابية المتفرعة من القاعدة ، بينما في أوكرانيا أريد إستخدام الجيش المتعدد طائفيا للحسم لصالح مكون طائفي بوجه مكون طائفي آخر ففشل .
فرضت روسيا معادلة الغاز على أوروبا بتأمين سوق الصين لتقول انها ليست مضطرة لبيع الغاز لأوروبا فلديها البدائل ، بينما ليس لدى اوروبا بديل عن الغاز الروسي المتدفق عبر اوكرانيا وعليها تسديد ديون اوكرانيا لروسيا للعودة بالحصول على هذا الغاز .
رضخت اوروبا لما وجدت ان الورقة الوحيدة المتبقية هي دخول اوكرانيا في حرب اهلية ستزعج روسيا ، لكنها ستفتح الباب لتقسيم عدة دول اوربية من هنغاريا ورومانيا وصولا لبلغاريا و ألبانيا ، فجلست لمائدة التفاوض ترتضي مع حكومة أوكرانيا الهدنة تمهيد لحوار سياسي اوكراني ينتهي بحل سياسي قوامه دستور جديد ، يحفظ خصوصية المكونات عبر صيغة فدرالية ، فربحت روسيا مرتين مرة بحصولها على القرم صافية لها ، ومرة بالشراكة في قرار اوكرانيا عبر من يمثل جمهوريات الشرق في الحكم الفدرالي .
تعهد الغرب بعدم التطلع لضم جورجيا ,اوكرانيا للحلف الأطلسي و بإحترام المصالح المشروعة لروسيا فيهما .
عادت التوزنات إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الأوكرانية وفازت روسيا بموقفها الثابت في الشرق الأوسط ، وحيث لا حروب تحسم بل تفاوض يصنع التسويات ، فينتصر منطق التسويات الذي حاول الغرب تفاديه باللجوء لتفجير الأزمة الأوكرانية ، وها هو يعود خالي الوفاض يسلم بالحقائق الأصلية .
2014-07-04 | عدد القراءات 3286