ليس لما يجري من تفاهمات في العراق على الرئاسات الثلاثة ، وتزامنه مع تراجع المكونات العراقية الثلاثة ورموزها ، عما كان يسمى ثوابت لا نقاش حولها من تفسير ، سوى وجود تفاهمات كبرى غير محددة وغير معلنة .
لقد سبق لكتلة نواب وسط العراق أن أعلنت سحب مرشحها التقليدي لرئاسة البرلمان أسامة النجيفي ، وعدم تسمية بديل والوصول لرفض المشاركة في النظام السياسي ، وإعلان دعم ما سمي بثورة العشائر بداية وإنتفاضة اهل السنة لاحقا ، والمعلوم أن المقاطعة لم تكن تؤدي سوى غرض تقديم الغطاء الشعبي والسياسي لداعش .
كما سبق للتحالف الكردي أن إمتنع عن تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية بعد جلال الطالباني الذي يحول وضعه الصحي دون مهام الرئاسة ، ولكن بدا واضحا بعد ظهور داعش أن الإعتداد الكردي بلغ مرحلة الشعور بالثقة ، أن أوان إعلان دولة كردستان يقترب وظروفه تنضج ، فقام أبرز وأقوى زعماء الأكراد مسعود البرزاني بالإعلان عن وفاة دولة العراق الموحد ، والكشف عن العزم على طرح الإنفصال على الإستفتاء ، مجاهرا بأن زمن ولادة حلم الدولة الكردية قد جاء ، وعلى الجميع التعامل مع هذا التحول كحقيقة لا تراجع عنها .
بالمقابل بقي التحالف الوطني خلال شهور ما بعد الإنتخابات النيابية نهاية نيسان الماضي عاجزا عن تسمية مرشح متفق عليه لرئاسة الحكومة ، بينما الرئيس السابق للحكومة نور المالكي متمسك بالحق الذي منحته إياه نتائج الإنتخابات كرئيس لأكبر كتلة نيابية ، ليكون المرشح الأول لرئاسة الحكومة .
حدث شيئ كبير حتى تغير كل المشهد ، فجرت تسمية سليم الجبوري وفؤاد معصوم وحيدر العبادي بالتتابع للرئاسات الثلاثة ، وتم إنتخاب وتسمية الثلاثة بالإجماع من كل المكونات ومباركة داخلية وخارجية جامعة ، فماذا حصل حتى تغير كل شيئ وصولا لسحب نور المالكي ترشيحه لحساب العبادي ؟
حضر أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي شامخاني إلى بغداد في 19 تموز وبقي لثلاثة ايام ، قابل خلالها كل القادة العراقيين شيعة وسنة وأكراد ، مراجع دينية وسياسية ونسج خطوط التسوية وملامحها وبدأت بالظهور تباعا .
شامخاني هو أحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني عام 1980 ، وأحد أبرز قادته في فترة رئاسة الإمام الخامنئي للجمهورية أي فترة قيادة الإمام الخميني لإيران ، وتسلم الرئيس حسن روحاني مهمة الأمن القومي التي يتولاها شامخاني اليوم ، حتى عرف الرباعي خامنئي كرئيس للجمهورية ورفسنجاني كرئيس البرلمان يومها وروحاني كأمن قومي وشامخاني كحرس ثوري بالرباعي المتجانس والمتفاهم بقيادة الثنائي خامنئي رفسنجاني .
شامخاني أشرف على تطبيق القرار 598 الذي أوقف الحرب مع العراق قبل ربع قرن ، و كان التطبيق موضع رضا الأمم المتحدة ، و أسس لنظرة نحو شامخاني جعلته يوم رشح نفسه لرئاسة الجمهورية موضع إهتمام واشنطن ، قبل أن ينسجب تجنبا لأي إساءة تصيب علاقته بالإمام الخامنئي التي يعتبرها شامخاني خطا أحمر .
شامخاني رعى واشرف على الإتفاقيات الأمنية الإيرانية مع السعودية يوم بقي وزيرا للدفاع لثمان سنوات في ولايتي الرئيس محمد خاتمي بتكليف من الإمام الخامنئي ، يملك علاقة خاصة مع الملك عبدالله الذي كان وليا للعهد ، وقلده اعلى وسام ملكي تقديرا لدوره في تحسين العلاقات الإيرانية السعودية .
شامخاني هو الذي أشرف وقام بتوقيع إتفاقيتي التعاون العسكري والأمني مع سوريا قبل عشر سنوات ، وحاز أعلى وسام من الرئيس السوري بشار الأسد ، كما كان من اوائل المتصلين لتهنئة الرئيس الأسد بفوزه الرئاسي الأخير ، ومعلوم أنه من اشد المدافعين عن الدعم الإيراني لسوريا تعزيزا لصمودها بوجه الحرب المفتوحة عليها .
شامخاني هو الذي هندس ووقع إتفاقيات التعاون العسكري والأمني مع الحكومة العراقية ، وهو الذي يرعى عودة حركة حماس إلى الحضن الإيراني .
بتفويض من الإمام الخامنئي وصل إلى بغداد ورتب الأمور وعاد ، وكانت السعودية وسوريا بصورة ما جرى ، فباركتا تعيين العبادي لتشكيل الحكومة الجديدة ، و الإتفاق كان طبعا إيرانيا أميركيا .
تسير التفاهمات عادة بهدوء ، وتحاول الظهور كأحداث منفصلة لا يربطها سيناريو ، ويخلق لكل فصل منها ظروف تظهيره ، لكن يبدو واضحا من عودة سعد الحريري أن فصل لبنان يشق طريقه ، كما يبدو من مأزق حرب غزة أن تغييرات ستشهدها الخريطة الإقليمية ، وأن سوريا التي تلتزم الهدوء والترقب قد وضعت شرطا على واشنطن للتعاون ، عنوانه نتكلم في السياسة لنتعاون في الأمن ، وأول السياسة بين الدول سفارات .
2014-08-22 | عدد القراءات 4994