يبقى الصراع العربي الإسرائيلي الحساب الذي تترصد فيه نتائج النزاعات والحروب في المنطقة ، لحساب العرب أو لحساب إسرائيل ، فالدول العربية المتصالحة مع إسرائيل أو المتشاركة معها بالمرجعية الأميركية ، والتي تنحاز في أي نزاع إلى الضفة المعادية لأي دولة لا زالت في حل صراع ولم توقع سلاما مع إسرائيل ، إنما ترصد أرباحها في هذا الحساب الإجمالي لحساب إسرائيل مهما كانت التأويلات والنوايا .
بالمعنى الدولي والإقليمي يصير الصراع العربي الإسرائيلي ، رغم اهمية وحيوية دور قوى المقاومة المتقدم والمتفوق صراعا سوريا إسرائيليا ، حتى لو سبق دور المقاومة في لبنان وفلسطين دور سوريا وإسهامها في مواجهة إسرائيل في الميدان .
من هنا أهمية الإشتغال الإسرائيلي على إخراج سوريا من حلبة الصراع معها ، والإهتمام الدولي بدعم هذا المسعى الإسرائيلي ، سواء بتوسيع مغريات الصلح مع إسرائيل بتوسيع دور سوريا الإقليمي ، كما حملت عروض جاك شيراك مع صدور القرار 1559 بمنح سوريا تفويضا مفتوحا لبقاء قواتها في لبنان و إدارة شؤونه حصريا ، مقابل الصلح مع إسرائيل ، أو كما حمل الثنائي التركي القطري بشخصي حمد آل ثاني ورجب أردوغان قبيل إندلاع الأزمة في سوريا من دعوة لوقف إمداد المقاومة بسلاح نوعي ، مقابل ضمانات دولية وإقليمية بحماية نظام الحكم في سوريا من عواصف الربيع العربي ، أوكما حمل وزير الخارجية الأميركي أيام الحرب على العراق كولن باول من دعوات لوقف إمداد المقاومة مقابل أمان سوريا ونظامها ، أو ميغنخل موراتينوس في 2010 من دعوة اميركية صريحة لنيل المكاسب السياسية والإقتصادية مقابل إيقاف شحنة سلاح نوعية للمقاومة في لبنان ، وصولا لمسعى وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد في قلب الأزمة السورية قبيل سفره إلى واشنطن ، بتحييد سوريا عن الصراع مع قوى المقاومة ، ونيل وضع كوضع حاكم البحرين في الحصانة بوجه معارضيه .
سواء كانت العلاقة الثنائية بين سوريا وحركة حماس القوة الرئيسية في مقاومة الشعب الفلسطيني ، جيدة أو سيئة في ضوء موقف حماس مما تعرضت له سوريا ، أو موقعها من سائر أطراف حلف المقاومة بضوء ذلك ، فالحاصل الإجمالي لإنتصار المقاومة تعزيز لرصيد سوريا ، والحاصل الإجمالي لصمود سوريا تعزيز لفرص المقاومة بتحقيق النصر .
الصراع الأكبر في المنطقة يستوعب صراعاتها الأدنى ، مهما كانت خطيرة ومهمة ومصيرية ، فلو هزمت المقاومة في فلسطين ستكون سوريا قد خسرت الكثير من رصيدها ، ولو وقعت سوريا بيد المشروع الأميركي ، بمروحة قواه الممتدة من دول الإقليم كتركيا والسعودية وقطر ، أو القوى المستخدمة في الحرب بما فيها مفردات القاعدة ، لخسرت المقاومة الكثير ، بما في ذلك من شاركوا بالموقف ضد سوريا .
في قلب هذا الصراع تختصر النتائج بقياس القوة والفاعلية للقيادتين السورية والإسرائيلية ، بين قيادة تكسب وقيادة تخسر ، قيادة يرى الأميركي أن لا بد من الإنخراط معها بالتعاون رغم حال العداء ، وقيادة تصير في حال تقاعد وتتحول عبئا رغم العلاقة المميزة ، وربما هذه هي الصورة التي تؤشر إليها ثنائية الحرب على الإرهاب ونتائج حرب غزة ، مهما طال زمن المكابرة والإنكار في واشنطن .
و بالقياس والمقارنة الراهنين ، بين قيادة سورية تقاتل بدعم حلفائها المحدود ، حلفا ممتدا على مساحة العالم ، كان يعتبر الحرب عليها مسألة حياة او موت ، وتصمد وتبدأ بمراكمة الإنتصارات ، وبين قيادة إسرائيلية معها العرب والغرب ، وفي منطقة تنشغل فيها قوى المقاومة بهموم عديدة ، تخوض غزة الحرب وحدها وتخرج إسرائيل مهزومة .
وللقياس والمقارنة تاريخ ، فسوريا المكسورة في حرب العام 1967 هي التي نجحت قيادتها خلال ست سنوات ، بتحويل جيش أدمن اللعبة الإنقلابية وتلهى بمغانم الحكم ، إلى جيش مقاتل يدخل الحرب وينتصر عام 1973 ، بينما إسرائيل المهزومة في جنوب لبنان عام 2000 هزيمة لا تقارن بهزيمة 67 لسوريا ، نالت ست سنوات مشابهة وأعدت لحرب تموز 2006 لتحصد الهزيمة الأقسى في تاريخها ، وبعد كامب ديفيد والتحول الإستراتيجي الذي كسر ميزان القوة وتلاه إجتياح لبنان عام 1982 ، نجحت القيادة السورية في ثمان سنوات حتى العام 1990 ، بإعادة التوازن إستثمارا على السلاح الكيميائي مقابل النووي وترسانة الصواريخ مقابل تفوق الطيران ، وثنائية المقاومة وإيران لتعويض خروج مصر ، وفرضت نتيجة هذا الحضور مكانتها ، بإستحضار مؤتمر مدريد لإسترضائها و توسيع دورها في لبنان إعترافا بما تمثل ، وصولا لدورها في نصر العامين 2000 و2006 .
وبعد هزيمة 2006 نالت القيادة الإسرائيلية فرصة إعادة بناء مشابهة بثمان سنوات مشابهة ، وكانت الحصيلة ثقوب القبة الحديدية وتهميش ألوية النخبة وتهشميها ، والفشل في حرب الإستنزاف ، وصولا للتسليم بالهزيمة .
العالم والمنطقة امام قيادتين بأجيال متعددة ، طوال نصف قرن من المواجهة ، مع فارق الإمكانات وحجم دعم الحلفاء ، قيادة لا يمكن القفز على دورها المعبر عن إرادة أمة لا تهون ، وقيادة توفرت لها كل اسباب القوة والنصر ، وتجرجر وراءها ذيول هزائمها ، تعبيرا عن كيان شاخ وفقد روح وأسباب البقاء .
2014-08-27 | عدد القراءات 5515