خلال الشهور الماضية كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتصرف على قاعدة أن روسيا في حالة حرب ، فقد وصلته التقارير التي تؤكد أن بلاده تواجه مجموعة تحديات مبرمجة يشكل إجتماعها حالة حرب ، فقد إستنفرت ضدها الآلة الديبلوماسية والأمنية والمالية والإعلامية الغربية بقيادة واشنطن ، وصولا للعبث بقواعد إستقرارها الإقتصادية والمالية والإجتماعية ، ورعاية المجموعات المعارضة وتقديم التفوق الإعلامي للغرب كمنصة للتخريب داخل روسيا ، بمؤازرة مجموعات ذات وظائف امنية .
العقوبات والمقاطعة الإقتصادية والتضييق المالي والتجفيف التجاري ، كانت مظاهر لهذه الحرب ، والمدخل كان وفقا لما دأب بوتين على قوله أمام المسؤولين الروس ، كما تنقل مصادر روسية مطلعة ، خطة تنطلق من إقناع روسيا بالرضا بأنها تقدر أن تكون قوة إقليمية فاعلة ضمن مدى حيوي لا يصل للبحر المتوسط و يطال البلقان والقرم والقوقاز ، لكن لا يحق لها التطلع للأكثر .
بوتين يقول لديبلوماسييه في الإجتماع الذي ضم قرابة الألفين منهم قبل شهر في موسكو ضمن مؤتمر يعقد كل سنتين مرة ، أن إخراج روسيا من الشرق الأوسط هو علامة النجاح في الخطة الأميركية الغربية ، وثبات روسيا كلاعب لا يمكن تجاوزه في الشرق الأوسط يعني تثبيت حضورها كدولة عالمية عظمى .
تأخذ روسيا على محمل الجد مقولة مارتن أنديك أحد مهندسي السياسة الأميركية الخارجية في الشرق الأوسط ، التي تقول أن واشنطن إنتقلت من السعي لتحييد روسيا في الصراع مع عدوها الأول إيران إلى السعي لتحييد إيران بعدما صار عدوها الأول روسيا .
لكن بوتين ليس قلقا من هذا المسعى الأميركي لأنه يثق بحسن التصرف الإيراني المنطلق من ذات الإعتبارات الروسية لعدم قبول المساومة على حلفائها ، طوال سنوات أزمة الملف النووي الإيراني وخصوصا خلال الزمة السورية ، فالأميركي رخيص وبلا أخلاق ولا مبادئ يستفرد الحلفاء فيمتصهم واحدا واحدا ، ويعد الذي يريد تحييده بالمن والسلوى حتى يتخلص من حلفائه فيستدير إليه مجددا مهما كانت العهود التي قطعها ، ولو أصغت روسيا للإغراءات التي قدمتها دول الخليج بإيعاز أميركي للتخلي عن موقفها المبدئي مع سوريا أو من قبل للتخلي عن دعم حق إيران بطاقة نووية سلمية ، لكان جرى الإستفراد وكانت أميركا اليوم تتفرغ لروسيا بعدما إرتاحت من هم حلفائها ولكانت روسيا دولة بلا مصداقية لا يأمن جانبها الحفاء .
قال بوتين كل ذلك لسفرائه وقال لهم أن روسيا واثقة أن إيران رغم كل الكلام عن تفاهمات مع واشنطن حول العراق ، لم تقم إلا بتفاهم الضرورة والدليل ما يجري في اليمن حيث الساحة الرئيسية للإشتباك الحساس بين مفهومي الأمن القومي لكل من إيران وأميركا ، و يمكن ببساطة القول ان إيران تتبع مع واشنطن السياسة الأمريكية المسماة بالإحتواء المزدوج القائمة على تجزئة المفات أو تارة البيع بالمفرق والتقسيط لا بالجملة ونقدا ، وعندما يحين أوان الجد سيكتشف الأميركي أن التفاهمات الكبرى في الشرق الأوسط لا تتم بدون روسيا .
الجديد هذين اليومين هو سفر الرئيس الأميركي المفاجئ إلى اوروبا تحت عنوان الأزمة الأوكرانية ، والكلام الجديد للرئيس الروسي عن ثقته بقرب التوصل لحل للأزمة في أوكرانيا ، بالرغم من صدور كلام فرنسي وبريطاني لا يدعو للتفاؤل أوربيا ، لكن يجوز الإعتقاد بعد تجارب مشابهة في المواقف البريطانية والفرنسية ، أن أميركا تعاملهما كمعاملة الزوج المخدوع من زوجته اللعوب فعهو آخر من يعلم .
حل سلمي وسياسي لأوكرانيا يعني بدء نضج التسويات الكبرى في الأزمات العالمية والإنتقال للشرق الأوسط لهندسة الخرائط والتحالفات .
2014-09-03 | عدد القراءات 2856