يبدو من بعيد للكثيرين أن ما يجري في المنطقة مصدر إرباك وإزعاج لسوريا ، بعدما كان جيشها يحقق الإنتصارات المتتالية قبل ظهور داعشتان إلى حيز الوجود ، وأن الإرباك متعدد الوجوه ، فالبعض يراه من جهة إنهماك روسيا بملف اوركانيا والعقوبات الإقتصادية من الغرب عليها ، والبعض كان يراه بالقلق من تفاهمات إيرانية سعودية أميركية من وراء ظهر سوريا ، خصوصا بعد رحيل رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي ، وبعض ثالث يراه بقيادة واشنطن لحلف الحرب على داعش ورفضها ضم سوريا إليه ، وإعلانها النية بقصف اهداف لداعش في سوريا دون التنسيق مع الدولة السورية ، وصولا للتهديد بالرد على أي تصد سوري للطائرات الأميركية .
من يعرف كيف تفكر سوريا بهذه الهواجس ، التي قد يعيشها بعض محبيها ومواطنيها لكن ليس صناع القرار فيها ، يعرف أن كل تصعيد يطال روسيا من الجانب الغربي يقع عند سوريا ، في مكانة تعزيز القناعة الروسية بفعالية وصحة موقفها إلى جانب سوريا ، طالما ثبت أن لدى الغرب وعلى رأسه أميركا مشاريع جاهزة لإستهداف روسيا ، فالقضية ليست قضية سوريا والتضامن معها بل قضية إستهداف دول القرار المستقل ، و من يتصرف بحكمة وذكاء هو الذي لا ينتظر دوره بعد إستفراد الآخرين ، بل يخوض المعركة مبكرا ويجمع القوى ذات المصلحة بالتصدي لهذا الإستهداف الجامع ، والوقائع تقول أن موقف روسيا لم ينشغل عن سوريا في ذروة التأزم في ملف اوكرانيا ، بل زادت روسيا تصلبا بالوقوف إلى جانب سوريا ، لتعمق وتجذر قناعتها بالمواجهة الشاملة للغطرسة الأميركية ، التي تستهدف الجميع ، وآخر هذه الوقائع التصريحت المتتالية لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن القرار الأميركي بإستهداف داعش في سوريا دون التنسيق مع الحكومة السورية ، وإعتباره خرقا للقانون الدولي ومكافحة للإرهاب بالإرهاب .
أما عن موقف إيران فلا حاجة لتذكير الخائفين بأن كلامهم عن الموقف الإيراني أن قلقهم لم يدم طويلا ، مع بروز ما يكفي من الوقائع التي تقول أن لا تفاهمات من وراء ظهر سوريا ، وأن إيران رفضت دعوة وصلتها لحضور إحتماع باريس لأن سوريا لم تدع لحضور هذا الإجتماع ، وجاء الكلام الصادر عن الإمام الخامنئي وهو في المستشفى عن طلب اميركي للتعاون في الحرب على داعش ، وجوابه بالرفض بصورة بدا واضحا معها أن لا سبب لخلاف إيراني أميركي ، حول داعش في العراق بالتنسيق المشترك لهما مع الحكومة العراقية ، وأن الخلاف كله حول سوريا كما هو الحال بالعلاقة الإيرانية السعودية ، التي بدا ان تفاهما حول اليمن وشيك الحدوث ومثله حول البحرين ولبنان ، بما فيه حكومات بتمثيل وزان للحلفاء الموثوقين من ،يران ووصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ، والخلاف الوحيد هو حول سوريا ، وسوريا واثقة من عمق القرار الإستراتيجي في إيران في فهم الخلاف حولها ، خلافا حول كل الهوية الجيوسياسية للشرق الأوسط ومكانة المقاومة فيه من جهة ، وإسرائيل من جهة أخرى ، كما هي واثقة أنه ما لم تتغير رؤية إيران للعداء مع إسرائيل لن تتغير مواقفها الثابتة مع سوريا .
يبقى الموقف الأميركي وسوريا تطرح التنسيق معها في الضربات ضد داعش ، حرصا على جدية العمل لأن اميركا تعلم بعيدا عن المسائل السيادية رغم أهميتها ، إستحالة عمل سلاحي جو في أجواء واحدة بلا تنسيق ، كما تعلم إستحالة تعطيل دولة كسوريا في حالة حرب مع إسرائيل لدفاعاتها الجوية ، بإعتبار كل طيران سيعبر أجواءها غير طيرانها هو طيران أميركي ، لكن سوريا تعرف أن المرتبك هو الأميركي وليست هي المرتبكة ، وأن جيشها ماض في التقدم على مساحة الجغرافيا السورية ، وكل ضربة لداعش تمهد لسوريا التقدم أكثر ، ومن يراهن على بعض المجموعات المسلحة كشريك له بوجه داعش ، سيجد إما ديكورات فارغة أو دواعش جدد .
لكل ذلك سوريا مرتاحة لوضعها .
2014-09-16 | عدد القراءات 2595