في محطات ومواقف تستدعي الشجاعة والبسالة يحسب القادة بهذه المعايير و يسجل لهم مستوى ثباتهم وقدرتهم على التماسك بوجه التحديات و جرأتهم في المضي بقرار المواجهة ، وفي المحطات التي تستدعي الحكمة والعقل والمناورة والذكاء يصير من كانوا شجعانا إذا إفتقدوا هذه الميزات متهورون و مراهقون وغير جديرين بصفة القادة التاريخيين .
كم حاولت الديبلوماسية والسياسة النيل من موقف روسيا مع سوريا قبيل مرحلة الفيتو الأول والثاني ، وبعدها مراحل زيارات بندر بن سلطان وحمد بن خليفة لموسكو والإغراءات التي عرضت على مائدة التفاوض ، ولاحقا في زمن الأزمة الأوكرانية ، وثبتت روسيا ، وكم حسب للرئيس بوتين في ميزان الشجاعة موقفه أثناء حشد الأساطيل بوجه سوريا ، لكن بذات القياس يحسب له و للرئيس السوري بشار الأسد بميزان الحكمة ، تصنيعهما للمخرج الكيماوي لصياغة تسوية تعيد الأساطيل ، بذات درجة الحزم والحسم التي أبدياها في لحظة إنتظار الصلية الأولى من الصواريخ .
كم حاولت ذات أجهزة المخابرات والإعلام ، وضع مواقف إيران من روسيا وسوريا تحت مجهر التشكيك ، بعد ظهور داعش في العراق ، وكثر الحديث عن صفقة مثلثة أميركية سعودية إيرانية ، تم بموجبها تنحي رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي ، والقياس على ذلك بتدحرج تنازلات إيرانية سيذهب معها أكثر من مالكي ، وكيف بدت إيران على لسان قائدها السيد علي الخامنئي في رفض الطلب الأميركي للإنضمام لحلف الحرب على داعش ، تضامنا مع سوريا ، وكذلك في إصرارها على أخذ موافقة سوريا قبل أي عمل عسكري في نطاقها السيادي .
ظهر الرئيس بشار الأسد كبطل أسطوري لصمود سوريا طوال أربع سنوات ، لم تجتمع فيها على دولة منذ بدء التاريخ ما إجتمع عليه وعلى سوريا من أعداء ، حتى قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، لو قيض لنا في أوكرانيا حليف كالأسد لغيرنا موازين أوروبا .
في مواجهة مشاريع الحرب الأميركية غير المباشرة ، كانت الشجاعة والثبات يكفيان ، لكن في مواجهة خطر التدخل الأميركي المباشر تحتاج سوريا لقائد يتقن الشجاعة والحكمة معا ، قائد يعرف حالات التدخل الممكنة وكيفية تفاديها لا الإنزلاق نحوها .
تتحدد ثلاثة حالات للتدخل الأميركي المباشر وترغب الإدارة الأميركية بتوافرها ، حالة الحصول على قرار من مجلس الأمن وقد ثبت أنها إستحالة بظل الفيتو الروسي ، وحالة أسلحة الدمار السامل كالسلاح الكيميائي ، فكان القائد بشار الأسد حاضرا بحكمته وشجاعته معا ، وبقيت حالة التذرع بالحرب على الإرهاب فكان الموقف المتدرج من التحذير من خطر عدم التنسيق ، وإعتبار تخطيه عدوانا على السيادة ، دون التورط في حرب تطيح كل ما أنجز من تراكم لتسليم العالم بصحة الرؤيا السورية ،والوصفة التي قدمها الرئيس الأسد و عنوانها جبهة عالمية للحرب على الإرهاب .
ما تم في الغارات يوم أمس ليس حالة تصلح للقياس ، فتبدو سوريا مستعدة لتطبيق مبادئ إعتبار عدم التنسيق عدوانا ، لكنها تقرر حسب كل حالة بحالة كيفية التعامل مع العدوان بالتصدي ، ام بتسجيل الموقف القانوني والسياسي والذهاب لمجلس الأمن الدولي ، كما تحتفظ سوريا بحقها بتقدير ما تعنيه كلمة تنسيق حالة بحالة ، بين أن يكون التنسيق إخطارا عبر سفيرها في الأمم المتحدة ، وبين أن يصير إشتراط الموافقة المسبقة أو أن يتحول لشرط عنوانه تحديد خارطة طريق طويلة المدى للتعاون .
قائد مثل الرئيس بشار الأسد يستحق أن يقال فيه حامع المجد من طرفيه ، حكمة وشجاعة وأن يسجل له التاريخ هذه الميزات الإستثنائية
2014-09-24 | عدد القراءات 2791