داعش والنصرة جغرافيا الحدود لا ديمغرافيا الطوائف - ناصر قنديل

 

مقدمة نشرة اخبار توب نيوز - 13-10-2014

بعد اربع سنوات على بدء حروب المنطقة وتبدل مظاهرها وواجهاتها وعناوينها ، تثبت حقائق من نوع  ، أن إسقاط حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح ومعمر القذافي لم يكن هدفا بذاته ، إلا لفتح الطريق لتغيير كبير ، والطريق لم يكن مطلوبا أن يفتح حصرا للأخوان المسلمين كما بدا من النسخة الأولى من الربيع العربي ، إلا بمقدار أهليتهم لمواصلة المشوار في سوريا ، كما يبدو أن تدمير وإضعاف وإستنزاف الجيوش ، خصوصا في مصر وسوريا والعراق يشكل هدفا مستمرا مع تغير المراحل ، وأن وحدة الكيانات  الوطنية  للدول ، ومركزية مؤسساتها على الجغرافيا المتعارف لها لحدودها صارت موضع شك كبير ، وأن إنفلات العصبيات المناطقية والعرقية والدينية والمذهبية سلاح دمار شامل لا يتوقف عن التنقل من خراب إلى خراب .

يبدو بالمقابل أن الثابت الرئيسي هو أن إسرائيل التي تشكل القوة الرئيسية الخاسرة خلال السنوات العشر الأولى من القرن  الواحد والعشرين لا تملك مقومات التحول إلى رابح بدليل الفشل في إستعادة قوة الدرع كما أظهرت حرب  غزة الأخيرة ، لكنها تمكنت من الربح بتوازن الخسائر والإنهاك في معسكر خصومها ودفعهم للإنشغال عنها .

سادت مع هذه الحروب وتبدلات عناوينها ومرجعياتها ، فرضيات عدة ، كان أوزنها وأبرزها أن واشنطن التي  تشكل مرجعية الحلف الذي يتولى إدارة وهندسة هذه الحروب وتغيير عناوينها ، ستعمل ما لم تنجح بالسيطرة على صناعة القرارات الكبرى في  المنطقة عبر الإستيلاء على مركز صناعة القرار في الدول المستقلة عنها ، وخصوصا سوريا ، ستعمد لتقسميها وتفتيت المنطقة لكيانات طائفية وعرقية ومذهبية تمنح شرعية إجتماعية وثقافية وتاريخية لإسرائيل كدولة يهودية يجب أن تبقى قوية بين غابة من الوحوش ، وتسهل على واشنطن إدارة حروب هذه الكيانات المتناحرة في المنطقة ، وإستنزاف ثرواتها بالتسلح وشعوبها بالدماء ونخبها بالتخلف والعصبيات .

يثبت لدى وضع هذه الفرضية على المحك أن التقسيم الذي يملك  من العراق فرصة التوسع بفوالقه نحو سائر كيانات المنطقة ، وهي الفرصة التي أطلت مع ظهور إمارة داعش ، سيؤدي وفقا لهوية الكيانات وإتصال الجغرافيا المباشرة إلى نشوء كيان شيعي في السعودية تختزن فيه قيمتا السعودية الإستراتيجيتان وهما ساحل الخليج والنفط ، كما سيؤدي لولادة كيان كردي في تركيا تنتهي معه الدولة التركية القوية كعضو في الأطلسي ، بينما سينتج عن تقسيم تركيا وسوريا وواقع لبنان نشوء كيانات  يتقاسمها الشيعة والعلويون تمسك بساحل البحر المتوسط من الناقورة إلى حدود اليونان ، وبالمقابل سيكون بمقدور  داعش وشبيهاتها التمدد للإمساك بمناطق السنة خصوصا في السعودية ، لكن بلا نفط ومال ومعلوم أن جمع التطرف والفقر ولادة الإرهاب الخارج عن السيطرة.

تم فحص هذا الخيار مليا في قمة حلف الأطلسي في فرانكفورت عام 2012 بعد عرضه من صاحبه المؤرخ الأميركي برنارد  لويس ، العضو وقتها في لجنة الحكماء التي شكلها الحلف قبل عام برئاسة مادلين أولبرايت ، وبسبب ما يترتب  من خسائر عليه بجعل إيران تمسك بدويلات تابعة لها طائفيا على ساحلي الخليج والمتوسط تمسك بمقدرات المنطقة ، صرف النظر عن الخريطة التي قدمها تحت عنوان " إستقرار الشرق الأوسط يبدأ بإعتماد حدود الديمغرافيا لا خريطة سايكس بيكو لدول المنطقة " والمقصود بالديمغرافيا حدود الطوائف والأعراق والقوميات والمذاهب .

الواضح اليوم ومع تقدم مشروع داعش  والرعاية المزدوجة التي يدير الغرب وتركيا علاقتهما به ، من حرب لها وظائف منع التمدد ، وإمداد له وظيفة منع الموت ، أن بديلا غير العودة للتفاوض  مع حلف المقاومة للإنخراط معه في صياغة نظام إقليمي جديد يضمن الإستقرار ، هو الذي  جرى إعتماده بدور  تركي بارز ، والخيار يقوم على نصف تفتيت ، وهو تفكيك الكيانات لحساب جزر تزرع  في المناطق الحدودية التي  تشكل مفاصل الوصل والقطع بينها بالإعتماد على الجغرافيا الطبيعية ، كحال إنتشار داعش بين حدود سوريا والعراق وحدودهما مع تركيا فتصير دويلة المثلث الحدودي ، ومثلها  على الحدود الأرنية السورية الفلسطينية وحدود سوريا مع فلسطين المحتلة ودويلة النصرة ، ومثلهما  دويلة جرود عرسال والقلمون وسلسلة الجبال الشرقية بين لبنان وسوريا .

لعبة جغرافيا لاالديمغرافيا وحدها تمنع تقسيم السعودية وتركيا وتسمح بتقطيع اوصال قوى حلف المقاومة وهي لعبة لا تسقطها إلا الحرب .

2014-10-13 | عدد القراءات 2627