معايير صارمة وبرامج عالية المستوى وخبراء ومدربين بكفاءات مشهود لها وضعتها واشنطن تحت تصرف من تطلق عليهم بالمعارضة السورية المعتدلة لاختيار مقاتلين لمواجهة تنظيم داعش والجيش السوري ولإحداث انقلاب في الموازين وفق الرؤية الأميركية للأزمة السورية تضمن للشعب السوري الحرية والرخاء والسلام وتنتقل بسورية من عهود الظلمات إلى زمان النور ومن الاستبداد إلى الديمقراطية وربما لما ورائيات الدولة الحديثة. ولحسن إخراج الفيلم الهوليودي جهزت واشنطن مواقع التصنيعفي تركيا والأردن وأطلقت حفلات افتتاح المعسكرات والبرامج وبعد شهرين من الجهد يعلن المخرج المنفذ للعمل وزير دفاع واشنطن آشتون كارتر تخريج الدفعة الأولى من جحافل المعارضة السورية والبالغ عددهم ستين مقاتل بالتمام والكمال الجاهزين لخوض غمار معركة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها طاحونة بشر وحجر ولعل كارتر الذي حاول سوق مبررات تعثر مشروع بلاده والتذرع بالشروط والمعايير الأميركية القاسية لاجتياز اختبارات البورد الأميركي لنيل صفة مقاتل معتدل يثبت رؤية رئيسه قبل أشهر حين وصف تلك المعارضة المعتدلة بالفنتازيا لإدراكه صعوبة إدراجها في سياق الواقع والحاضر بالسياسة والعسكر ولو من قبيل الواجهة السياسية لجماعات داعش والنصرة القادرة على جذب المسلحين بما يفوق قدرة تلك المعارضة آلاف المرات ولعل التقارير الشهرية الصادرة عن مراكز الأبحاث تكشف حضور المقاتلين الأجانب الذين ينضمون للتنظيمات الجهادية بأعداد تتجاوز الألف مقاتل شهرياً.
حمل كلام كارتر بما تضمنه من إقرار بصعوبة قلب المعادلات على الأرض السورية رسائل غاية في الأهمية فما ورد بين سطور كارتر لا يقل أهمية عن ما قاله بالمباشر ويحمل رسائل إلى الحلفاء قبل الخصوم لضرورة فتح أبواب سياساتهم وعلاقاتهم لرياح التغيرات الإقليمية القادمة في التعاطي مع الأزمة السورية فكلام كارتر عن عجز إسقاط الأسد في العسكرة والتحول للجهد السياسي ليس إلا ترجمة عملية لمبادرة الرئيس الروسي فلاديميربوتين لتشكيل حلف إقليمي مع سورية،يضمّ خصومها والتي لا يمكن أن يطلقها دون تنسيق مع الجانب الأميركي خاصةً وأن السياسة الروسية تمتاز بالثقل السياسي والخطوات المتوازنة المدروسة البعيدة عن الاستعراض السياسي الذي يميز السياسة الأميركية ، ومن هنا يصعب إدراج المبادة الروسية في إطار إطلاق بالونات اختبار أو مادة للتداول الإعلامي بعيداً عن أرضية صلبة لتفاهمات نطق بها كارتر بين سطور كشفت في العلن مراعاة واشنطن لحساباتحلفائهاالباحثين عن ما يمسح عن كاهلهم الشعوربالخسارة في الميدان السوري بعد سنوات خمسة من الرهان العسكري ليتقبلوا نصيحة بوتين لأوباما بأن يخرج مسار الرئاسة في سورية عن حرب مواجهة الإرهاب ويُترك للانتخابات , ما يعني أن لا حل في سورية إلا مع الرئيس الأسد كبوابة لحل الأزمة السورية, إقرار يحمل في طياته اللوم للمعارضة السورية وإقرار بفشلها بقلب المعادلة رغم الدعم الأميركي اللامتناهي ورسالة مفادها فشلتم بأداء المهمة وقفنا إلى جانبكم سنوات ولن تصنعوا أي إنجاز على الأرض.
بعد سنوات من الرهان الأميركي على دور عسكري لإسقاط سورية سواء عبر أدواتها أو بالتهديد المباشر تبدأ واشنطن بتهيئة المسرح التفاوضي بهدوء بالتعاون مع موسكو ولضمان التنفيذ بروية دون لفت الأنظار وهو ما يستدعي إثارة القليل من الجلبة من وزن تصريحات كارتر وربما أوباما في بعض الأحيان.
2015-07-08 | عدد القراءات 1992