من مدينة أوفا عاصمة جمهورية بشكورتوستان الروسية تستكمل موسكو رسم خطوط سياستها العالمية وتتقدم بهدوء لحجز مكانها الطبيعي على مسرح الأحداث الدائرة بعيداً عن الضجيج والجلبة التي تركت مهمة إثارتها لمنافسيها الذين فشلو بجر المارد الروسي لزواريب السياسة والأمن ومحاولة تعويمه بعلاقات مارقة تلبي مصالح سياسة أنية ومكاسب تكتيكية لا تؤثر في مسار السياسة العالمي ولا تحفر في عمق التاريخ السياسي وهو ما نجحت واشنطن بجر دول أوروبا لهكذا نهج أفقدها تاريخها السياسي العريق وحولها لتابع أميركي.
جمعت روسيا وللمرة الأولى في تاريخ منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس التجمعين في قمة واحدة لا بقصد الاستعراض بجمع أكبر عدد من قادة الدول في قاعة واحدة أو كسب فرصة الرئاسة الروسية للمجموعتين بضرب عصفورين بحجر واحد وسلق القمم على طريقة جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة التي قلما تأتي بقرارات تحدث انقلابات وتغيرات في مسار الأحداث السياسية ، إنما جمعت روسيا عوامل القوى الكبرى في السياسة والاقتصاد والأمن ثالوث العلاقات الدولية والقواعد الأساسية لبنيان الدول فمنظمة شنغهاي للتعاون التي أنشئت بهدف مكافحة الشرور الثلاثة الإرهاب والتطرف والنزعة الانفصالية ورغم ما شهده تطور المنظمة وأهدافها من نقلات نوعية بدأت بحل الخلافات الحدودية بين الصين وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المحاذية لها، إلى توقيع معاهدة خفض القوات العسكرية في المناطق الحدودية وبناء الثقة العسكرية ولعل السياسات العالمية جعلت أحد أهم أهداف تكتل شنغهاي إيجاد موازن للقوة الأميركية وتجنب النزاعات التي تسمح لواشنطن بالتدخل في مناطق قريبة من حدود الصين وروسيا وكرد مباشر على تهديد القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة ومشاريع أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكي ومشروع حرب النجوم في أوروبا ومن هنا تأتي أهمية القمة الحالية في التنسيق لمواجهة مشاريع واشنطن الأمنية في منطقة الشرق الأوسط والتي وإن بدت بعيدة عن حدود دول المنظمة إنما تداعياتها ترتد عليها مباشرة عدا عما شهدته القمة من إطلاق حوار هندي باكستاني يفتح الباب أمام مصالحة بين قوتين أمنيتين وازنتين قبل انضمامهما للمجموعة ستنعكس نتائجه في المطلق على المنظمة ككل وبما أن عين الاقتصاد لا تغيب عن عالم الأمن فإن التشبيك مع مجموعة بريكس والتي تشهد أسرع نمو اقتصادي بالعالم يتمثل
بالبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا يمنح هذا التحالف بعداً اقتصادياً ستظهر نتائجه بقوننة هكذا تحالفات عبر بنك التنمية الجديد وإطلاق صندوق الاحتياطات النقدية برأسمال 100 مليار دولار لكل منهما بما يمكن الدول المتحالفة من إطلاق تنمية اقتصادية وبشرية حقيقية بمواجهة سيطرة واشنطن ودول الغرب على سياسات البنك الدولي ومشاريعه الإغراقية للدول المدينة كمقدمة للسيطرة على قراراتها السياسية ولبنان واليونان إحدى نماذج تلك السياسات.
بين السياسة والأمن والاقتصاد تكتب موسكو سياسات مواجهة تحديات العقود القادمة وتنسج تحالفات تعيد ثنائية القطب العالمية الجديدة والتي تصر موسكو على تغليب البطولة الجماعية لدول لها وزنها العالمي ،كل هذا وواشنطن تراقب ما يدور بقلق وحذر شديدين خروج مراكز القوة عن سيطرتها وبناء عالم تعددي جديد يمسك خصومها بمنظمة معاهدة شنغهاي التي تشكل ربع سكان الأرض، وقد تضم نصف البشرية مع دخول الهند وباكستان ومنغوليا ، ومجموعة بريكس أكبر تجمع لنمور الاقتصاد العالمي القادم ،في الوقت الذي يواجه فيها حلفائها الأوربيين خطر انفراط عقدهم السياسي والاقتصادي والأمني.
من مدينة أوفا تطلق موسكو قاطرة النظام العالمي الجديد بتكامل ذكي بين الاقتصاد والسياسة والأمن فهل من قادر على إيقافها.
2015-07-09 | عدد القراءات 3120