ما إن أعلنت طهران والسداسية الدولية التوصل لاتفاق حول ملفها النووي وقبل أن تنتهي موجه التصريحات العارمة واتخاذ المواقف وتقديم التبريرات والتسويفات والتهديدات كان ثمة من يرتب ملفاته بهدوء لمرحلة ما بعد الاتفاق استعداداً للدخول في مرحلة جني ثمار مرحلة تجاوزت الاثني عشر عاماً من التفاوض تارة والعقوبات تارة أخرى وبين التحدي ورفع السقوف إلى أن وصلت الأمور لخواتيمها.
قبل أن تغيب شمس التوقيع ودون أن ينتظر قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد تجميد العقوبات على طهران استعدادا لرفعها وفق الاتفاق حزم مارد الاقتصاد الأوروبي أمره سريعاً بالإعلان عن زيارة نائب المستشارة الالمانية طهران يرافقه وزير الاقتصاد والنفط ولعل اختيار الوزراء المرافقين يكشف ما بين السطور من صفقات اقتصادية ومالية يحملها الألماني على أمل عودة الشركات الألمانية إلى أسواق طهران التي تعلم احتياجاته أكثر من أي شركات أخرى خاصة وأن الألمان لم يقطعوا التواصل مع السوق الإيرانية حتى خلال فترة العقوبات المفروضة على طهران وإن كان من بوابات خلفية واكبت حركته وديناميكته كسوق واعد يضم 80 مليون جلّهم من شريحة الشباب المتعلم فيما حافظت شركات ألمانية على تمثيلها داخل إيران.
ربما تفسر الرغبة الألمانية في السبق والريادة العودة للأسواق الإيرانية إلا أن اللافت أن يكون وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس رأس الحربة في الحرب على إيران والذي بقي حتى الرمق الأخير يهدد طهران ويضع الحدود والخطوط مختلفة الألوان فإذ به أول الساعين لكسب ود طهران في والذي ربما يكون أول مسؤول أوربي يزور العاصمة النووية الجديدة منهياً عقود الشيطنة الغربية التي انتهجت فيه باريس نهجاً أميركياً بامتياز.
في السياسة والاقتصاد ثمة تحولات كبرى فما بعد الاتفاق بالطبع لن يكون كما قبل والسقوف الأميركية الغربية المرتفعة تحولت لرسائل تبرير للرأي العام الأميركي والغرب وما حديث أوباما عن اتفاق لا يقوم على الثقة بل على الضمانات والتفتيش ليس إلا كلام يبرد من حدة الشارع الأميركي الذي لطالما عبأه بخطابات معادية لطهران ليأتي ملف الاتفاق النووي كإنجاز يحسب لأوباما بالتزامن مع تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها في استطلاعات الرأي، وتحقيق خصومه الجمهوريين فوزا واضحا، في مجلس الشيوخ، فبات الرئيس الأمريكي باراك أوباما يبحث عن انطلاقة جديدة في السياسة الداخلية فيما تعرف طهران عز المعرفة أن العلاقة مع واشنطن لن تتحول لصداقة مبنية على الثقة بين ليلة وضحاها خاصة أنها تدرك أن الأميركي لا يؤتمن جانبه ولا يمكن الوثوق به.
طوال فترة المفاوضات نجحت طهران بإدارة لعبة التفاوض وفق خياراتها ومقتضيات برنامجها النووي ولم تغلق أبواب منشآتها النووية في وجه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حدود ما تقتضيه مصالحها وأغلقت الأبواب أمام الطلبات التي اعتبرتها مسيسة وتتعلق بأمنها الوطني وتمكنت بالصمود بوجه العقوبات من إخراج البرنامج النووي من بازار السياسة وأبقته في سياقه النووي من بوابة العلاقة مع الوكالة الدولية واللجنة السداسية
بعيداً عن حسابات الرابحين والخاسرين من الاتفاق النووي ثمة حقيقة واحدة بأن الاتفاق النووي الإيراني ثبّت مكانة إيران كلاعب أساسي في الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزه وفتح أبوابها الواسعة أمام القوى الكبرى لتقول كلمتها في السياسة والاقتصاد والأمن لتغدو طهران محط قوافل الحج الغربي في مشرق القرن الحادي والعشرين.
2015-07-15 | عدد القراءات 2242