من جديد تعود الأزمة السورية إلى الواجهة السياسية ومحور الحراك الدولي والدبلوماسي على أعلى المستويات ، فلهيب حرارة شهر أب وارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة في المنطقة ، يبدو أنها فعلت فعلها في عالم السياسة والميدان السوري، فبين الدوحة وطهران ثمة نقاشات جدية وفرد أوراق قوة على الطاولة ومطالب وتنسيق جهود ،كشفتها التصريحات الروسية والأميركية عقب اجتماعات الدوحة ،والتي يبدو أنها تبلورت بالمبادرة الإيرانية الأخيرة بالتزامن مع سلسلة اللقاءات السورية الإيرانية الروسية في طهران.
المبادرة الإيرانية ببنودها الأربعة والمتمثلة بالدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق و طمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سوريا، و إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين ، والتي اكتفى نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بوصفها مجرد توقعات ، فيما ستعرض المبادرة المعدلة حول سوريا على الأمين العام للامم للمتحدة بان كي مون بحسب عبد اللهيان دون أن ينفي مضمونها ،تشبه من حيث الشكل ما طرحته مبادرات سابقة عبر سنوات الأزمة السورية الخمسة كالمبادرة الإيرانية السابقة، وتنسجم مع رؤية الرئيس السوري بشار الأسد التي قدمها على مدرج دار الأوبرا في كانون الثاني عام 2012،إلا أن ما يميزها ويمنحها فرص النجاح الظروف الإقليمية والدولية والميدانية السورية ،التي تغيرت لصالح السير في الحلول السياسية على حساب مشاريع الحروب العسكرية.
ما يميز المبادرة توقيت الطرح عقب طرح المبادرة الروسية لتشكيل تحالف إقليمي للحرب على الإرهاب ،تشارك فيه الدول التي لطالما دعمت الإرهاب في سورية كالسعودية وتركيا ،ما يجعل المبادرة الإيرانية الشق السياسي المكمل للمبادرة الروسية ،وتأتي في سياق تقديم رؤية كاملة متكاملة للوضع في سورية تقدم حلول سياسية وأمنية تنسجم مع بيان جنيف1 ،وما توافقت عليه الأطراف الدولية حول سورية.
تأتي المبادرة عقب التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني بين طهران والسداسية الدولية والذي ثبت وجودها كقوة عالمية كبرى وما تبعه من انفتاح دولي غربي على طهران ،ما يمنح المبادرة ثقل دولي يترسخ مع ما سرب عن موافقة تركية على الخطة ،وهو ما يسمح لحزب الحرية والعدالة بالخروج من أزماته وتبعات تورطه السوري ، الذي حاول التغطية عليه بإعلان الحرب على داعش ،سرعان ما بدا أنه حرب على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الشكل ،وانتقاماً انتصار حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية في المضمون ،وبعيداً عن المصلحة التركية تبدو المصلحة الأميركية في المبادرة ظاهرة للعيان، وتسمح لواشنطن بالتراجع عن خيارات الحرب ضد سورية، خاصة بعد اقتناع واشنطن باستحالة تغير الواقع السوري عسكرياً بعد أن جربت خيارات الضربات الجوية، ودعم المجموعات المسلحة بمسميات المعارضة المعتدلة ،والتهام داعش والنصرة لتلك الجماعات وأخرها مصير ما أطلقت عليها واشنطن الفرقة ثلاثين ،والتي اختطفها جناح تنظيم القاعدة في سورية جبهة النصرة بعد أشهر من التدريب الأميركي لتلقى مصير حركة حزم التي سبقتها في الدعم الأميركي والتآكل الداعشي ، وبالتالي تتشابه ظروف المبادرة الإيرانية مع المبادرة الروسية لتسليم السلاح الكيميائي السوري ،والتي وفرت للرئيس الأميركي باراك أوباما فرص التراجع عن توجيه ضربة عسكرية لسورية ،بما يحفظ ماء وجه بلاده دون التورط في سورية.
تناغم في الطرح والرؤى في محور المقاومة بطرح مبادرات تستثمر الظروف الإقليمية والعالمية ،وتبني على إنجازات الجيش العربي السوري على الأرض وقدرته على امتلاك زمام المبادرة وصمود الدولة السورية ، بما يضع أعدائها أمام أحد خيارين لا ثالث لهما ،فإما القبول بما يخرجهم من أزماتهم وإما السير في حروب عبثية ،تعمق تورطها في المشهد السوري ،وتزيد تكاليفها دماً ودماراً يدفع ثمنه السوريون فقط.
من موسكو إلى طهران مبادرات تفتح الباب أمام تسويات تاريخية فهل من يستجيب.
2015-08-05 | عدد القراءات 2286