ليس بغريب أن تطلق وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون على ما تبقى من عناصر المعارضة والمقاتلين الذين دربتهم قواتها الأميركية على الأراضي التركية ،اسم "القوى السورية الجديدة" بحسب ما كشفت عنه صحيفة الواشنطن بوست، نظراً لعظمة المهمة الملقاة على عاتقهم والتي يعيد البنتاغون النظر في مهام تلك القوة ،نظراُ لحجمها الضئيل غير القادر على التصدي لتنظيم داعش، حيث أفصحت واشنطن مؤخراً عن المهمة الرئيسية لتلك المجموعات ،والتي تتمثل بطلب الضربات الجوية الأميركية، ومد القوات الأميركية بمعلومات ميدانية عن الواقع على الأرض ،إذا فمهمة القوة السورية الجديدة تنحصر بواجهة هلامية لا لون لها ولا رائحة ولا حول ولا قوة ،تحاكي القوى السياسية التي تحاول أن تبني لها مراكز الدراسات الأميركية ووسائل إعلامية تتناغم معها ، وثلة من الجواسيس بمسميات براقة وطنية تمد الطائرات الأميركية بإحداثيات الأهداف التي يحددها البنتاغون.
لا جديد في توجهات واشنطن فخلال عقود من الزمن انحصر دورها في التعامل مع الشأن السوري، على صناعة رأي عام لمعارضة مصنعة في الفنادق تحت شعارات الثورة ،وثلة عملاء تجندهم الوكالة المركزية للاستخبارات الأميركية ضمن هيئات وائتلافات ومجالس، تتكفل واشنطن بمصاريفها في المأكل والمشرب والمسكن وتدفع الخزينة الأميركية ومن لف لفيفها ثمن مواقفها وتصريحاتها.
كشفت الحرب على سورية وما رافقها من إماطة اللثام عن الهوية الحقيقية للقوى الإسلامية الفاعلة في الحراك تحت رماد السلمية والثورية التي تلاشت مع مرور الوقت لهشاشة بنيانها ،وارتباطاتها الإسلامية التي لم تستطع إخفائها كما فشلت بإقناع المنتسبين إليها بتمايزها عن تنظيمات مثل "جبهة النصرة" جناح تنظيم القاعدة في سورية ،وأحرار الشام ذات المنشأ القاعدي ،فأثرت تلك العناصر الانضمام إلى التنظيمات الأم تحت سحر المال والميديا والفتاوى، بدلاً من النسخ المقلدة التي لا تسمن ولا تغنى عن جوع الأصولية، ولعل حملة التبيض والتي تقوم بها قوى سياسية فاعلة لإظهار جبهة النصرة كفصيل معتدل قادر على التحالف مع فصائل تحمل شعارات ثورية وتمارس الديمقراطية الإسلامية ، وفق نموذج قادر على التطور ليماثل النموذج التركي في المستقبل، بما يؤهله لخوض الانتخابات وتسلم السلطة يظهر تماهي المشروع الإسلامي مع الرؤية الأميركية في تقسيم المنطقة وتفتيتها لكيانات صغيرة وتهاوي الدول ولكياناتها ،وهو ما يمثله واقع الحال الراهن في سورية عبر مئات الفصائل والمجالس المحلية الواهية التآلف، البعيدة كل البعد عن شكل ومضمون يمكنها من القدرة على الإدارة واتخاذ القرار المستقر بعيداً عن مرجعياتها الإقليمية والدولية والمرتبطة في نهاية المطاف بالسيد الأميركي ،وهو النموذج الأمثل الذي يريح العدو الإسرائيلي ويقدم له الطمأنينة وراحة البال ،من بقاء حدودها بعيدة عن أية توترات ويقدم لها خدمة مزدوجة ،تتمثل بوجود حارس أمين لحدودها بعيداً عن أية توترات في الحاضر القريب أو المستقبلي لغياب القدرة في حال قررت بعيداً عن الراعي الأميركي ،وتقديم الذريعة للحكومات الإسرائيلية باتخاذ أية إجراءات ترغب بها وتخدم مشاريعها تحت ذريعة حماية أمنها القومي من التنظيمات الإرهابية الجهادية ، والتي تطالب قرارات مجلس الأمن بمحاربتها فتغدو تل أبيب جزء من التحالف الدولي للحرب على الإرهاب الإسلاموي بدلاً من تقديمها للعدالة لتحاكم على جرائمها بحق الإنسانية في فلسطين المحتلة.
بين مشاريع الإسلام السياسي والقاعدي وواشنطن وتل أبيب تقاطعات في الأهداف وتوافق في الرؤية، بما يدفعها للحرب في خندق واحد بوجه محور المقاومة والدولة والشعب السوري في معركة لم تغفل أي من أدواتها من استخدام أية أسلحة للنيل منها وكسر عزيمتها.
ارتباطات وتشابكات تظهر للعلن حال اشتداد المعركة ووصول الاشتباك لمرحلة لا رجعة فيها، ولا تراجع عن إظهار أي من مكامن قوتها لتظهر القوة السورية الجديدة وفق الرؤية الأميركوإسرائيلية مجرد واجهات سياسية لفصائل داعشية.
2015-08-16 | عدد القراءات 2264