الأم ميركل .... ملجأ الباحثين عن وطن بديل ...... مقدمة نشرة أخبار توب نيوز بقلم سعد الله الخليل

عبر البر أو البحر أو بمزيج ما بينهما لا فرق لدى الباحثين عن سبل الراحة والطمأنينة خارج حدود بلادهم، وللباحثين عن سبل تحسين أوضاعهم المعيشية والهروب من واقعهم في بلاد الحروب العبثية، إلى أرض الأحلام في القارة العجوز التي تأمل أن تعيد الدماء الشابة شيئاً من شبابها المتهالك، ولأن صناعة الحروب كغيرها من أصناف التجارة تمتلك دورتها الاقتصادية المتكاملة، تسعى دول خبرت مفاتيح الصناعة لتبيض أموال حروب الشرق وغسيل مواقفها في تجارة اللحم والدم فاتحة ذراعيها لمن أعيتهم بنيران حروبها.

على مدى السنوات الماضية استثمرت الدول الأوروبية في المجال الإنساني أقوى استثمار في تاريخ الحروب في العالم, فأغلقت سفاراتها في وجه من تصفهم بالهاربين من النزاعات والحروب، وحصرت منح سمات الدخول إلى أراضيها عبر المفوضية العليا السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي تعيي شروطها أغلب الراغبين بالسفر وتشترط الإقامة في دول الجوار ومخيمات اللجوء، ما دفع بالآلاف من الراغبين بالسفر سلوك الطرق غير الشرعية، والتي تعرضهم لأخطر الظروف وتضعهم بين مطرقة الطبيعة القاسية من بحار وغابات وسندان شبكات تهريب البشر التي لا تملك أدنى شعور بالإنسانية، والتي تتعامل مع المهاجرين كبضاعة لا أحد يسأل عنها ومدركين بأن حياتهم رهينة ابتزازهم.

قوافل المهاجرين غير الشرعيين التي اجتاحت أوروبا لا تفرق في الشكل عن قوافل المسلحين التي عبرت الحدود، لتصل إلى سورية والعراق رغم الفارق الشاسع في المضمون والطموح بينهما، وإن تشابهت مبررات الدول الأوربية بعدم القدرة على ضبط حركتها ومحاربتها الوهمية لشبكات تهريب البشر والتي تعمل في وضح النهار, تضع أكثر من إشارة تساؤل حول تورط مسؤولين أوربيين في التسهيل لعمل تلك الشبكات، في ظل قرار رسمي بإغلاق السفارات باعتبارها البوابات الشرعية للسفر.

موجات الاستنكار الرسمي التي رافقت كشف السلطات النمساوية عن جثث عشرات المهاجرين مكدسة في حافلة لنقل البضائع، والتي لم تقدم تفسيرات منطقية عن حقيقة ما جرى, تطرح تساؤلات عدة عن الدوافع الغربية الحقيقية في التعاطي مع أزمة المهاجرين ؟ وما السر وراء كل هذا السخاء والتعاطف المفاجئ مع القضية ؟

لدرجة اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل القضية "تحذيرا" لأوروبا لإيجاد حل مناسب لأزمة المهاجرين، ولتطالب بحل دبلوماسي للأزمة السورية وتوزيع عادل للمهاجرين على أوروبا.

ربما يرى البعض بأن ما تقدمه ألمانيا والدول الأوروبية من مساعدات للاجئين يفوق ما قدمته دول عربية خلال الأزمة، وربما الدلال الكبير الذي يرويه اللاجئين لذويهم في بلاد العرب، شجع الكثيرين على خوض غمار المغامرة الا أن الواضح أن صيحات الاستهجان ما كانت لتتم، لولا انفضاح القضية وخروجها عن حدود إمكانية التغاضي عنها، فعشرات التقارير عن تقصد المافيا اليونانية تمزيق القوارب المطاطية للمهاجرين على مرأى خفر السواحل اليوناني، وتركهم عرضة للبحر لم تحرك مشاعر ميركل وأقرانها الأوربيين للتحرك في السعي لإنهاء معاناة السوريين في بلادهم، بدلاً من تركهم عرضة للبحر والبر الأوروبي يلتهم أجسادهم شيباً وشباباً وأطفال ونساء مثقفين ومتعلمين يتشاركون في زورق الموت أقرانهم الأميين ويتقاسمون المصير المجهول في بلاد الأمل.

ربما كان من الأفضل لو تلغي الدول الأوروبية شراكتها وتمويلها لقتلة مرتزقة على الأرض السورية، تتفق في المبدأ والسلوك مع شبكات تهريب البشر بدلاً من التباكي على مصير اللاجئين، والتغني بما تقدمه حكومة ميركيل لمستقبلهم المنشود الذي ما يزال معلقاً بأدراج الوهم والأمل والمجهول.

في عهد الفينيقيين والكنعانيين جال أبناء بلاد الشام ببواخرهم البحر المتوسط سادة وتجار ونقلوا الحضارة للقارة العجوز، وكتبوا التاريخ بأحرف من نور اليوم في زمن تحالف أبناء الظلمات من ملتحي الذقون والعقول، يلتهم ذات البحر أجساد أبنائهم في رحلة البحث عن السعادة للوصول إلى بلاد الأم ميركل ... الصدر الحنون للباحثين عن وطن بديل.

 

2015-08-30 | عدد القراءات 2335